لو سئل اللبنانيون عما يتمنون أن تحمل معها السنة الجديدة من أخبار سارة لأجمعوا على الأمور التالية:
اولّا: أن يطلع الدخان الأبيض من مدخنة مجلس النواب في جلسة أو جلسات التاسع من الشهر الجاري، وأن يصبح للبنان رئيس كان من المفترض أن يكون قد مضى على عهده سنتان وثلاثة أشهر.
فانتخاب رئيس جديد يأتي في أولويات ما يتمناه جميع اللبنانيين على حد سواء، وذلك نظرًا إلى أهمية ما يمثله هذا الرئيس، أيًا يكن، من ثوابت وطنية بصفته رئيسًا لجميع اللبنانيين، ورمزًا لوحدتهم وتمسكهم بوثيقة وفاقهم الوطني، الذي يبقى حتى إشعار آخر الإطار الدستوري المتاح، خصوصًا إذا طُبقت بنوده كاملة من غير انتقاء ما يناسب وضعية هذا الفريق أو ذاك.
ثانيًا: أن تتمكن كلٌ من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، ومعهما المجتمع الدولي، من الضغط على إسرائيل لإجبارها على تنفيذ كامل بنود اتفاق وقف النار قبل نهاية فترة الستين يومًا، وتمكين الجيش من الانتشار حيث يجب أن يكون طبيعيًا، وأن يحّل بين أهله وناسه في كل بلدة أو قرية ينسحب منها الجيش الإسرائيلي وعناصر "حزب الله". وبهذه الخطوة التكاملية تبدأ مرحلة إعادة بناء ما تهدّم بعد وصول المساعدات المالية، سواء أكانت من البنك الدولي أو من الدول المانحة، مع العلم أن كلفة إعادة الاعمار هي بحدود خمسة مليار دولار، وهو رقم لا يمكن تأمينه بالسهولة التي يعتقدها البعض.
ثالثًا: بعد هاتين الخطوتين يؤمل أن يتمكّن العهد الجديد برئيسه وحكومته الجديدة من إعادة أموال الناس من ضمن خطة تعافٍ وإنقاذية لا بدّ منها كخطوة أولى في مسيرة الألف ميل الحافلة بالاستحقاقات والإصلاحات المطلوب إجراؤها من دون تلكؤ أو تباطؤ أو مماطلة. ومن دون هذه الثوابت في رسم السياسة الاقتصادية الهادفة لن تعود دورة الحياة إلى طبيعتها، مع ما تتطلبه هذه المرحلة من جهود جبارة على مختلف الأصعدة تعويضًا عمّا فات لبنان منذ العام 2019 حتى الآن.
رابعًا: تلبية جميع المكونات السياسية في البلد الدعوة المفترض أن يوجهها الرئيس العتيد للجمهورية إلى طاولة حوار تُعقد في القصر الجمهوري في بعبدا، وتُطرح فيها كل الهواجس والقضايا الخلافية من صغيرها إلى كبيرها، على أن تلتزم كل القوى السياسية من دون استثناء ما قد يتم إقراره من خطوات جامعة. وقد تكون هذه الخطوة من بين أهم الإنجازات، التي يمكن أن يقوم بها الرئيس الجديد المطلوب منه الكثير.
خامسًا: بعد سقوط نظام البعث في سوريا يُفترض أن تبدأ الحكومة اللبنانية الجديدة بمحادثات رسمية مع القيادة السورية المؤقتة تطاول الكثير من الملفات العالقة على أساس الندية في التعامل المتبادل بين البلدين الجارين والشقيقين. ولعل أول خطوة مطلوبة على هذا الصعيد هي برمجة إعادة النازحين السوريين إلى بلداتهم وقراهم في سوريا، وترسيم الحدود البحرية والبرية بينهما بما فيها تحديد هوية مزارع شبعا، وإعادة صياغة الاتفاقات والبرتوكولات والمعاهدات الثنائية على أسس جديدة وواضحة تأخذ في الاعتبار مصالح البلدين، وما فيها من قواسم مشتركة.
سادسًا: إعادة العلاقات بين لبنان والدول العربية، وبالأخص دول الخليج، إلى سابق عهدها الطبيعي، وما فيها من احترام كامل ومتبادل، ومراعاة مصلحة كل دولة وخصوصياتها.
سابعًا: أن يلج الجميع مرحلة جديدة من الحياة السياسية على أسس المصارحة والمصالحة الحقيقية، خصوصًا أن ما تعرّض له لبنان في سنة 2024 من أزمات متتالية أكد المؤكد، وهو أن لا مناص من اتفاق لبناني – لبناني. وهذا ما خبره اللبنانيون من خلال تضامنهم، الذي تجّلى مع معاناة النازحين من بلداتهم وقراهم، فوجدوا حيثما حلوا حضنًا دافئًا، ولهفة وغيرة قلّ مثيلهما.
هذا ما يتمناه جميع اللبنانيين من دون استثناء؛ وهذا ما يجب أن يكون عليه برنامج أي رئيس سيتم انتخابه عاجلًا أو آجلًا.