أقل ما يمكن قوله عن إستشارات رئاسة الحكومة الإثنين، أنها كانت مقدّمة لـ"طلاق" مقنع بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس السابق للحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط، وذلك بعد تسمية حزبه الرئيس المكلف نواف سلام لتشكيل الحكومة .
ما يبدو هو أنّ جنبلاط اصطدم بواقعين صعبين، الأول وهو أنه لا يريد الإلتفاف على ما تفرضه الإشارات الخارجية، بينما في الوقت نفسه لا يسعى لـ"قطع شعرة معاوية" مع بري، الحليف الوثيق جداً.
لم يستطع جنبلاط الإستدارة باتجاه حليفه، فتركه وحيداً مع "حزب الله" الذي وجد أن تكليف سلام بمثابة "نكث" لكل الضمانات التي حاز عليها منذ بداية العهد. ما يظهر هو أنَّ جنبلاط نأى بنفسه عن بري، فحصل الإفتراق والطلاق الأوليّ، وما يُفهم الآن ضمن الطائفة الشيعية هو أنّ جنبلاط لم ينجح بـ"فرملة الإنقلاب" ضدها والذي يتحدث عنه "حزب الله" وبري معاً.
الآن، أصبح جنبلاط مُحرجاً لدرجة كبيرة مع رئيس البرلمان، وبات الآن أمام اختبارٍ صعب أساسه تعويض ما شهدته جلسة الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة والتي عزّزت الإنقسام في البلد.
لم يلعب جنبلاط دور "بيضة القبان" كما كان يجري سابقاً، ولو لم يسمّ أحداً لكان "أبغض الحلال"، ولكان فتح المجال أكثر أمام المكونات مختلفة لقراءة جديدة للمسار الحكومي من دون الإصطدام مع الطائفة الشيعية التي باتت تراها نفسها قيد "الإستفراد" والإستضعاف.
المرحلة المقبلة ليست سهلة، وفق ما تقول مصادر سياسية لـ"لبنان24"، والسؤال: هل سيتعاطى جنبلاط معها بـ"مرونة"؟ ما هي الرسائل الإيجابية التي قد يمررها باتجاه حليفه القديم بعدما وجد الأخير أن هناك انقلاباً عليه وجنبلاط لم يمنعه؟
أقله ما يمكن قوله هو أن جنبلاط وقف أمام استحقاقين، الأول وهو ترميم العلاقة مع بري ومع "الثنائي الشيعي" كما يجب، والاستحقاق الثاني يرتبط بتوجهاته للمرحلة المقبلة وعما إذا كان يرضى باستبعاد مكون أساسي من الحكومة.. هل سيفعل شيئاً خلال تشكيل الحكومة التي تقف أمام خطورة "عدم التأليف"؟ كيف سيتعاطى مع "الثنائي" في حال قرر حقاً الإنتقال إلى المعارضة الصارمة؟
حتماً، ما يتبين هو أنَّ التوتر تعزز بشكل فعلي وعادت البلاد إلى مرحلة "الإنقسام العمودي" الذي كان قائماً في العام 2005، فيما المخرج الأساسي لـ"عقدة التأليف" تحتاج إلى الكثير من التحركات والتوافقات، وهذا الأمر ليس قائماً حتى الآن.
في خلاصة القول، ما يظهر هو أن عهد عون بدأ بـ"تقليعة صعبة" قد تؤدي إلى تطويقه، ولهذا السبب فإنَّ تدارك الظروف الحالية لا يحتاج إلى تحرك من جنبلاط فحسب، بل من مختلف الأطراف الأخرى، بينما بات "الثنائي الشيعي" الآن أمام مرحلة جديدة عنوانها تعويض الخسائر السياسية وابتداع مناورة جديدة للخروج من المأزق الذي دخل إليه.