تكثف الدولة اللبنانية جهودها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا للضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمس التي تحتلها، فيما واصل جيش الاحتلال عدوانه على الجنوب بعد يوم واحد على الانسحاب من القرى الجنوبيّة الحدودية .
ويحذر لبنان الرسمي في حملته من أن التمركز الاحتلالي الإسرائيلي في المواقع الخمسة بات أشبه بشريط حدودي ولو فصلت مسافات غير قصيرة أحياناً بين النقاط الخمس.
وبحسب" النهار" يتشدد لبنان في الضغط لاستعجال إنهاء الواقع الجديد الذي خلفته إسرائيل وتسعى إلى فرضه كوجود احتلالي طويل الأمد تحت وطأة إحداث تداعيات أشدّ خطورة من احتلال المناطق السكنية، لأن ما اقدمت عليه إسرائيل شكّل ما يتجاوز الانتهاكات الجوهرية لاتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل وبدا بمثابة تمزيق للاتفاق وإعادة للأمور إلى نقطة الصفر التي كانت سائدة إبان الحرب بين إسرائيل و"حزب الله". وتشير المعطيات المتوافرة في هذا السياق إلى أن ثمة تفهماً واسعاً لموقف لبنان واقتناعاً دولياً بصحة المطلب اللبناني الضغط على إسرائيل لإنجاز انسحابها بالكامل، لكن لم تتبين بعد وسائل الضغط اللازمة والقوية التي ينتظرها لبنان وهو الأمر الذي بات الرهان الزامياً على الجانب الأميركي الذي يملك أدوات الضغط اللازمة لدعم لبنان في مطلبه وترجمة التزاماته بدعم الدولة اللبنانية في بسط سيطرتها التامة على أراضيها.
وأشارت مصادر مطّلعة لـ»البناء» الى أن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري أجريا اتصالات مكثفة مع مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية وبعددٍ من مستشاري البيت الأبيض، وكذلك بمسؤولين فرنسيين وأوروبيين وعرب للضغط على الحكومة الإسرائيلية للانسحاب الى ما وراء الخط الأزرق، إلا أن الأميركيين أكدوا بأن بقاء القوات الإسرائيلية في بعض النقاط مؤقت ومرتبط بضمان أمن المستوطنات الإسرائيلية الذين سيعودون قريباً إليها، لكن المسؤولين الأميركيين لم يحددوا موعداً واضحاً للانسحاب الإسرائيلي وبتأكد إسرائيل بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب وتمكنه من ضبط الأمن على الحدود وفي جنوب الليطاني، كما لم يقدموا أي ضمانات بموضوع احتفاط إسرائيل بحرية الحركة العسكرية الجوية والبرية والبحرية للدفاع عن أمنها ولاستهداف تحرّكات حزب الله العسكرية في أي وقت وعلى كامل الأراضي اللبنانية. كما شدّدت المصادر على أن الجهود الدبلوماسية لم تتوقف وهي مستمرّة على صعيد رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية إضافة الى الرئيس نبيه برّي ورئيس الحكومة نواف سلام استناداً للاجتماع الرئاسي الأخير في قصر بعبدا والذي رسم محددات ومسار التحرك الدبلوماسي اللبناني حتى تحقيق الانسحاب الكامل من الجنوب.
و اتخذ الاتصال الهاتفي الذي تلقاه رئيس الجمهورية العماد جوزف عون أمس من مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل والتز دلالات بارزة غداة الانسحاب الإسرائيلي المنقوص من الجنوب. وأفادت معلومات قصر بعبدا أن والتز أكد للرئيس متابعة الإدارة الأميركية للتطورات في الجنوب، بعد الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية واستمرار احتلالها لعدد من النقاط الحدودية.
وأشاد والتز بالدور الذي لعبه الجيش اللبناني في الانتشار في المواقع التي أخلاها الإسرائيليون، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة تجاه لبنان بالعمل على تثبيت وقف إطلاق النار، وحل المسائل العالقة ديبلوماسياً. وشدّد على أهمية الشراكة اللبنانية- الأميركية وضرورة تعزيزها في المجالات كافة.
من جهته، شكر الرئيس عون والتز، مؤكداً الموقف اللبناني بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي من النقاط المتبقية واستكمال تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 27 تشرين الثاني 2024 لضمان تعزيز الاستقرار في الجنوب وتطبيق القرار 1701. وشدّد الرئيس عون على الإسراع في إعادة الأسرى اللبنانيين المعتقلين في إسرائيل.
وفي السياق نفسه، شدّد الرئيس عون خلال استقباله السلك الديبلوماسي العربي على "أن لبنان سيبذل كل جهد ممكن من خلال الخيارات الديبلوماسية ودعم الدول العربية والصديقة، لتحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي". وأكد أنه "لا يمكن مواجهة التحديات الراهنة في المنطقة إلا من خلال موقف عربي موحد، وخصوصاً التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني"، مؤكداً أن "لا أحد بمنأى عن تداعيات الأحداث في أي دولة عربية".
وفي إطار المواقف الدولية البارزة أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، أنّ باريس "أخذت علماً بانسحاب القوات الإسرائيلية من قرى في جنوب لبنان"، مذكّرة بـ"ضرورة الانسحاب الكامل في أقرب وقت". وقالت الوزارة "إنّ باريس تدعو كل الأطراف إلى تبنّي اقتراحها: يمكن لقوات اليونيفيل، بما في ذلك الكتيبة الفرنسية، أن تنتشر في هذه المواقع الخمسة على مقربة مباشرة من الخط الأزرق لتحلّ محلّ القوات المسلّحة الإسرائيلية وتضمن أمن السكان هناك". وأضافت: "إلى جانب الولايات المتحدة في إطار آلية (الإشراف على وقف إطلاق النار)، ستواصل فرنسا تولّي كل المهام المحدّدة في اتفاق 27 تشرين الثاني 2024". ورحّب "بإعادة انتشار القوات المسلحة اللبنانية، بالتنسيق الوثيق مع قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل). واعتبر أنّ "إعادة التموضع هذه ستسمح للقوات المسلّحة اللبنانية بأن تنفذ عمليات إزالة (ذخائر غير منفجرة) وأن تدعم عودة السكّان في أفضل الظروف الأمنية الممكنة.
وطالب وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى لبنان ساندرا دو وال بدعم ومساندة الاتحاد لكي تنسحب إسرائيل بشكل كامل من الأراضي اللبنانية التي تحتلها، تطبيقاً لاتفاق وقف الأعمال العدائية ولقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. كما بحث مع السفيرة دو وال في التحضيرات الجارية لمؤتمر بروكسل- 9 بشأن النازحين السوريين المزمع عقده في شهر آذار المقبل، وتمنى في هذا الإطار على الاتحاد الأوروبي "تعديل مقاربته لقضية النزوح السوري بعد تغيّر النظام في سوريا، مُجدِداً التأكيد على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم بعد أن تحولوا إلى نازحين اقتصاديين، فانتفت أسباب وجودهم في لبنان، وباتت الظروف في سوريا تسمح بعودتهم، من خلال مساعدتهم في إعادة بناء قراهم ومدنهم والاستثمار في بناها التحتية وخدماتها".
وذكرت "نداء الوطن" أن الأيام الأخيرة قد تكون سجلت أعلى رقم للتواصل بين رئيس لبناني والمسؤولين الأميركيين. حيث كان يسجل أكثر من اتصال معلن وغير معلن بين عون والأميركيين. وأتى اتصال مستشار الأمن القومي بعون كتتويج لتلك الاتصالات. وحسب المعلومات فقد كان هناك تأكيد أميركي على استمرار الاتصالات مع تل أبيب لانسحاب الإسرئيليين من التلال والنقاط الموجدين فيها. وسمع الرئيس ضمانات أميركية بخصوص الانسحاب في حين أكد المسؤول الأميركي أن العملية تحتاج بعض الوقت وأن الأميركيين ملتزمون الاتفاق ولن يتراجعوا وهم حريصون على هذا الأمر وعلى تقوية الجيش اللبناني. وأعطى "والتز" جرعة دعم جديدة للعهد للانطلاق بقوة، وسط تأكيد عون التزام تعهدات لبنان وعلى رأسها القرار 1701 في مقابل التزام اسرائيل الانسحاب، وسط تشديد الرجلين على الحل الدبلوماسي والابتعاد عن الحرب.
وكتبت" الجمهورية" أنّ ملف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، يُشكّل بنداً أساسياً وحاضراً في رأس قائمة أولويات العمل الرئاسي والحكومي في هذه المرحلة، وضمن هذا السياق تُبقي رئاسة الجمهورية قناة الإتصال مفتوحة في كل الاتجاهات الدولية لنزع فتيل إبقاء إسرائيل احتلالها للتلال الخمس داخل الأراضي اللبنانية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يشكّل خرقاً فاضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وعاملاً لزعزعة الأمنوالاستقرار في المنطقة. والرهان الأساس في هذا الإطار يبقى على الجانب الأميركي الذي قطع وعوداً جدّية في تحقيق الإنسحاب الإسرائيلي الكامل، يُريد لبنان أن يرى ترجمة أكيدة لها من دون إبطاء.
وأكّد مرجع مسؤول ل »الجمهورية » أنّ بيان الرؤساء الثلاثة يُعبّر عن كل اللبنانيّين ورفضهم بقاء الاحتلال، ومضمونه يخاطب الدول الكبرى لتحمّل مسؤولياتها والإيفاء بالتزاماتها في إلزام إسرائيل بالإنسحاب من كامل الأراضي اللبنانية ».
وأضاف: «ما من شك أنّ إبقاء إسرائيل لاحتلالها للنقاط الخمس، يمسّ صدقية الدول، ولاسيما الدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار، بالإضافة الى أنّ عدم التزامها بوقف إطلاق النار وتعمّدها التوتير منذ لحظة إعلانه أواخر تشرين الثاني الماضي، يُثيران المخاوف من سعي إسرائيل إلى تثبيت احتلالها داخل الأراضي اللبنانية، وهو أمر من شأنه أن يفرض واقعاً جديداً وتحدّياً خطيراً يُصبح فيه اتفاق وقف إطلاق النار مشكوكاً في صموده ».
ورداً على سؤال أكّد المرجع: «الجميع مدركون ما يترتب عليه بقاء الإحتلال الإسرائيلي من مخاطر على لبنان، والآن الأمر متروك للجهد الديبلوماسي، ورئيس الجمهورية يولي هذا الأمر أولوية كبرى، ويؤكّد أنّه لن يعدم وسيلة لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الأمن والهدوء إلى المنطقة الجنوبية .»
وفي حال لم ينجح الجهد الديبلوماسي، أوضح: «كما سبق وقلت، الأمر متروك الآن للجهود الديبلوماسية التي نأمل أن تثمر ما يرغب به لبنان ». واستطرد قائلاً: «لا أحد يجادل في حق لبنان باسترجاع أراضيه المحتلة وبسط سيادته على كامل ترابه الوطني. وبيان الرؤساء الثلاثة شديد الوضوح لجهة التأكيد على حق لبنان في اعتماد كل الوسائل لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي .»