يقف "حزب الله" على مشارف الدخول في ولادة سياسية جديدة، وهذا ما ركّز عليه الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في خطابه في تشييع الأمينين العامين السابقين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
وكتب محمد شقير في" الشرق الاوسط": فتح قاسم الباب على مصراعيه، وللمرة الأولى، أمام انخراط الحزب في المرحلة السياسية الجديدة للنهوض بمشروع الدولة والتحاقه بالتسوية السياسية التي يرعاها رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون.
فـ«حزب الله» بلسان أمينه العام، بدأ يشق طريقه نحو الانخراط في مشروع إعادة بناء الدولة، آخذاً بعين الاعتبار انحسار دوره في الإقليم والالتفات للداخل للتكيف مع متطلبات المجتمع المدني ومضيّه قدماً للأمام للبننة الحزب وخفض منسوب عسكرته، شرط أن يلاقيه شركاءه في الوطن في منتصف الطريق بموقف استيعابي بعيداً عن التشفي والكيدية، كي لا نقحم البلد في دورة جديدة من التأزم.
وفي قراءة متأنية لخطاب قاسم، يؤكد مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان يستعد للدخول في مرحلة سياسية جديدة بانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية، وبتشكيل حكومة برئاسة نواف سلام تستدعي الخروج من تنظيم الاختلاف مع الحزب، للتوصل إلى قراءة مشتركة تؤسس لهذه المرحلة، وإن كانت تتطلب تضافر الجهود لاستنهاض مشروع الدولة، وهذا ما يستدعي إعطاء قاسم فرصة تسمح للحزب بالتكيف مع التحولات في المنطقة ولبنان بعد أن تحرر الحزب من وظيفته في الإقليم ولم يعد له دور، فهل ينجح في تنعيم مواقف الحزب لتأهيله للالتحاق بالتسوية؟
ويكشف المصدر السياسي بأن التحول في خطاب قاسم جاء تتويجاً للتقييم السياسي الذي أجرته قيادة الحزب وحددت فيه أين أصابت وأين أخطأت في إسنادها لغزة، وطوت هذه المرحلة ومهّدت الطريق للدخول في مرحلة الانخراط في مشروع الدولة، وإن كان المعيار الأساسي، كيف سينخرط فيه، ومدى استعداد حاضنته الشعبية للانفتاح على طروحاته، ويقول إنها تقف حالياً أمام مجموعة من الوقائع فرضها دخوله في حرب مع إسرائيل لا يمكنه تجاوزها.
ويرى أن لا مصلحة للتعاطي مع الحزب بأنه خرج مهزوماً في مواجهته لإسرائيل، أو استضعافه على نحو لا يسمح بإعادة قيام مشروع الدولة سلمياً بدلاً من استيعابه ومد اليد للتعاون معه، آخذين بعين الاعتبار الدور المميز لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي قطع شوطاً على طريق احتضان حليفه، ولو من موقع تمايزه عنه في أكثر من محطة توجه فيها بلومه لحليفه على تفلّت عناصر، قيل إنها غير منضبطة، في تهديدها الاستقرار.
ويتوقف المصدر نفسه أمام مشاركة رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي في التشييع، ويقول إن طهران أرادت تثبيت حضورها في المشهد السياسي، مع أنها حرصت على إضفاء الطابع الرسمي لحضورها. وهذا ما يفسر زيارتهما للرؤساء الثلاثة، ويُستبعد أن يكونا في وارد تحريض الحزب للتمرد على الجهود الرامية لعودة الاستقرار إلى لبنان.
ويؤكد أن حضورهما ينم عن رغبة طهران بتمرير رسالة هادئة إلى اللبنانيين ومن خلالهم للمجتمعين الدولي والعربي، ويأتي في سياق القراءة الإيرانية الإيجابية للواقع المستجد في لبنان على وقع إعادة تركيب السلطة، ويقول إنهما يؤيدان إعطاء فرصة للبلد ليلتقط أنفاسه لإعمار ما دمرته إسرائيل بمساهمة من إيران، ويقول إن قاليباف حمل رسالة إلى عون بوقوف طهران وراء ما تقرره الرئاسات الثلاث في لبنان وتأييدها بعدم التدخل في شؤونه الداخلية، ما يعني أن لا أبعاد سياسية لكل ما يصدر عن بعض الرؤوس الحامية في الحرس القديم للثورة الإيرانية، ويبقى للاستهلاك الداخلي، ولن يكون له من مفاعيل سياسية على الواقع اللبناني.
وكتبت ندى ايوب في " الاخبار":مشهدية التشييع أكّدت ما كرّره الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم منذ إطلالته الأولى خلال الحرب عن إعادة الحزب تنظيم نفسه، وأظهرت لهذا الفريق، أن الحزب تعافى فعلاً من الانتكاسات التي أصابت بنيته البشرية، وأكّدت أنّه تنظيم حديدي قادر على التحكم وإخراج صورة مدروسة ومتقنة، إذ تصرّف كساعةٍ سويسرية، كل فردٍ فيه لعب دوره من دون أي خطأ في أكثر المناسبات حساسية.
الانضباط الجماهيري كان بدوره محور حديث الأوساط «السيادية» و«التغييرية»، إذ «لم يتصرّف الجمهور بانفعال رغم اللحظة العاطفية ولا تحت ضغط من شنوا حملات عليه قبل يوم من التشييع».
وبالنسبة إلى هؤلاء، فإن هذا الحشد لم ينظروا إليه حصراً بلحظته، إنما بالـ 48 ساعة التي سبقت تشكيله، إذ كيف لحزبٍ انتهى أن يقنع أهالي الشهداء والجرحى والمنكوبين بأرزاقهم والمشرّدين والنازحين بالتوافد إلى بيروت قبل 24 ساعة من التشييع، مع قضاء ساعات طويلة على الطرقات بين الجنوب والبقاع وبيروت رغم أحوال الطقس؟. وهو ما أثار حفيظة الطامحين بخرق الثنائي حزب الله وحركة أمل في الانتخابات النيابية المقبلة، فيوم الأحد لم يكن تشييعاً فقط، بل كان "انتخاباً بالأقدام» لحزب الله، خصوصاً أن الحشد حمل رسائل من الجمهور «بالتوحد في وجه هجمة نتعرّض لها»، ما يصعّب على الخصوم مهمتهم.
في مقابل أجواء «تغييرية» عبّرت عن امتعاضها من «التمثيل الرسمي» للدولة في التشييع، والغمز من قناة غياب حلفاء للحزب عن المشاركة بما يوحي بأن الحزب معزول سياسياً في الداخل، أدرك هؤلاء بأن الحزب أوّلَ أمس كان قوياً بنفسه وبجمهوره الذي التفّ حوله وساند مقاومته خلال الحرب وآثر ألّا يفتح معه جردة حسابٍ بعد وقف إطلاق النار.
ولفتت إلى تسجيل مشاركة مجموعة تعبّر عن شريحة كبيرة اختلفت إلى أقصى الحدود مع حزب الله داخلياً، ولم تمنحه صوتها الانتخابي، وبعضها خاض انتخاباتٍ نيابية ضدّ لوائح الحزب نفسه، وتواجهت معه في انتفاضة 17 تشرين، لكنها عندما شعرت بأن إسرائيل تحاول إعادة تشكيل الشرق الأوسط، قررت أن تلتف حول المقاومة التي تواجه هذا العدو، ووضعت خصومتها معها جانباً. وهؤلاء من يطلق عليهم «رفاق الأمس» سهامهم، ويصفونهم بالـ«نيو ممانعة»، وهي شريحة تعطي للمقاومة بعداً وطنياً، على الحزب الاستفادة منه.