Advertisement

لبنان

آلية التعيينات...ألم يقرأ الوزراء في كتاب فؤاد شهاب؟

اندريه قصاص Andre Kassas

|
Lebanon 24
22-03-2025 | 10:01
A-
A+
Doc-P-1336866-638782298345451391.jpg
Doc-P-1336866-638782298345451391.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
استمعتُ كما استمع معظم اللبنانيين إلى مطالعتَي كل من رئيس الحكومة نواف سلام ووزير الاعلام بول مرقص بعدما أقرّ مجلس الوزراء آلية جديدة للتعيينات الإدارية بعد جلستين ماراتونيتين. فما بدر إلى ذهني وأنا استمع إلى ما توصّلت إليه الحكومة، وهو ما بدر بالطبع إلى أذهان الكثيرين من اللبنانيين، سؤال لا بدّ من ألاّ يبقى طي الكتمان، وهو سؤال برسم كل وزير شارك في صياغة هذه الآلية: هل تستحق هذه الصياغة "تضييع" ما يقارب خمس عشرة ساعة من البحث والمناقشة لكي "يلد الجبل فأرة بعد مخاض عسير"؟ وهل هذا ما كان ينتظره اللبنانيون من حكومة أثقلوها بأحمال لا يتناسب ثقلها مع أكتاف وزرائها، من دون أن يعني ذلك أن ليس مِن بينهم مَن سجّل في حياته الخاصة أكثر من نجاح شخصي، ولكن النجاح في الشخصي لا يعني بالضرورة النجاح في الشأن العام، إذ لكل مقام مقال؟
Advertisement
كان يمكن لمجلس الوزراء، وبدلًا من أن يضيّع الوزراء وقتهم على البحث في ما ليس من اختصاصهم، أن يكّلف مجلس الخدمة المدنية لكي يقدّم إليه ما يرتأيه مناسبًا من آلية للتعيينات الإدارية، وهو صاحب الاختصاص، ويعرف أكثر من غيره بئر الإدارة العامة وغطاها، وهو الأدرى بما تعانيه هذه الإدارة من مشاكل، أقّله أكثر من معظم الوزراء الآتين من عالمهم الخاص إلى إدارة عامة لم يكونوا يومًا من الأيام من عدادها، ولم يختبروا ما يعانيه الموظف إلى أي فئة من الفئات الخمس، التي تبدأ بالمدير العام إلى رئيس مصلحة ورئيس دائرة وصولًا إلى الفئتين الرابعة والخامسة. وأنا على يقين من أن معظم الوزراء، باستثناء قلة، كانوا يعلمون في الأساس أن في الإدارة العامة هذه الفئات، وهم بالطبع يجهلون طبيعة وظيفة كل فئة وما يميّز بينهما في سلّم التراتبية الوظيفية.
فلو جاءهم مقترح الآلية من قِبل مجلس الخدمة المدنية فما كان درسها وإقرارها قد استغرقا أكثر من ساعتين، ولكان الوزراء الذين أضاعوا خمس عشرة ساعة من وقتهم الثمين قد انصرفوا إلى معالجة أمور تخصّ المواطنين في حياتهم اليومية. ولكن وبما أن هذه الآلية قد أُقرّت بالصيغة التي أُقرت بها، وقد جاء وقت الكلام الجدّي فلا بد من طرح أكثر من ملاحظة على ما جاء فيها:
الملاحظة الأولى، وهي من البديهيات، إذ أن واضعي هذه الآلية من السادة الوزراء لم يكونوا يطابقون ما في واقع الإدارة العامة من ترّهل وفساد ومحسوبيات ومحاصصات واستزلام وتبعية للمراجع السياسية والطائفية على الورق النظري. وكأن بهؤلاء الوزراء لم يخطر على بالهم، عندما أقرّوا هذه الآلية، بلد اسمه لبنان طالع من أزمات ومشاكل تهدّ الجبال، بل كانوا يفكّرون بالمدينة الفاضلة لكل من افلاطون وابن خلدون، خصوصًا أن بعض الوزراء متأثرون كثيرًا بمضمون مقدمة ابن خلدون. ولكن ما بين مدينتي افلاطون وابن خلدون الفاضلتين ومدن لبنان فرقًا شاسعًا، وبالتالي فإن المقارنة في مثل هذه الحال لا تجوز.
الملاحظة الثانية تقود إلى نوع من الاستنتاج المسبق عمّا ستكون عليه النتائج العملية لهكذا آلية "مرّيخية". وأولى هذه الاستنتاجات هي أن الوزير المعني قد أعطي حصرية اقتراح الأسماء لسدّ الفراغات في شواغر وزارته. وهذه الحصرية تتناقض من حيث مفهومها مع مبدأ الشفافية، التي قيل إن الرئيس سلام قد اعتمدها عندما حدّد معايير تشكيل حكومة "الإصلاح والإنقاذ". وكان المقصود بهذه المعايير ابعاد الوزراء المحتملين عمّا يمكن أن يلحقهم من عدوى التدّخل السياسي في التوظيفات العامة. ولكن عندما أُعطي الوزير المعني هذه الحصرية فقد أصبح حكمًا مربوطًا بتقديم مصلحة مرجعيته السياسية المحسوب عليها بطريقة أو بأخرى حتى ولو لم يكن لهذه المرجعيات القرار النهائي في التسمية على ما أُشيع في حينه على أي مصلحة أخرى.
الملاحظة الثالثة لها علاقة بوضعية الإدارة العامة في الدولة، إذ كان حري على مجلس الوزراء الانصراف إلى "تظبيطها"، أي بمعنى "تنظيفها" مما علق بها من مخلفات الحروب المتعدّدة، التي اختلط فيها حابل المصالح الخاصة بالمصالح العامة، بدلًا من وضع آلية سيكون مصيرها كمصير سائر الآليات، التي وضعت في السابق ولم يطّبق منها سوى ما يتوافق ومصلحة "الكبار".
فقبل التعيين كان يُفترض بمجلس الوزراء "تشحيل" الادارة من هذا الجيش الجرّار من الموظفين، الذين حُشروا فيها لأسباب سياسية وطائفية من دون أن تستفيد الدولة من خدماتهم، لأن معظم هؤلاء الموظفين تابعون لأحزاب السلطة، وهم يقدّمون الخدمات لهذه الأحزاب، التي ينتمون إليها، وليس لدولتهم. فولاؤهم لأحزابهم وطوائفهم وليس لدولتهم.
ألم يكن الرئيس فؤاد شهاب على حق عندما منع أن ينتمي الموظف في الإدارة العامة لأي حزب أو جمعية أو نقابة. فهو كان يعرف أكثر مما يعرفه المسؤولون اليوم ماذا يعني أن يكون ولاء الموظف لحزبه أو لطائفته قبل ولائه لدولته؟ 
مواضيع ذات صلة
تابع

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

اندريه قصاص Andre Kassas