مجدّدا، حط الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في لبنان، الذي اعتاد على زيارته بين الفينة والأخرى منذ عيّنه الرئيس إيمانويل ماكرون مبعوثًا له، لكنّ زيارته هذه المرّة جاءت في ظروفٍ مختلفة عن زياراته السابقة، فهي تأتي بعد انتهاء "ولاية الفراغ" في قصر بعبدا، ما ينزع عن مهمّته دور "الحثّ على انتخاب الرئيس"، كما أنّها تأتي قبل يومين من زيارة "مجدولة" للرئيس اللبناني إلى باريس، حيث يلتقي ماكرون الجمعة.
وكما فعل في زياراته السابقة، جال لودرين على المسؤولين اللبنانيين في بيروت، وإن تغيّرت العناوين التي بحثها معهم، حيث حضرت الملفات السياسية والأمنية الناشئة بعد الحرب الأخيرة على
لبنان، وعلى وقع الخروقات
الإسرائيلية المستمرة، خصوصًا أنّ فرنسا تُعَدّ من الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي لم يتمّ تنفيذها، وكانت لها اليد الطولى في التوصّل إلى هذا الاتفاق، ودخوله حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الماضي.
لكن، أبعد من الملف الأمني، يحضر الملف الإصلاحيّ في صدارة "الأجندة"، ليس فقط "أجندة" لودريان في بيروت، الذي تندرج زيارته أساسًا في خانة التحضير لزيارة الرئيس جوزاف عون إلى باريس، ولكن أيضًا "أجندة" المجتمع الدولي برمّته، الذي ينتظر ورشة الإصلاحات، التي يفترض أن تطلقها الحكومة في المرحلة المقبلة بعد طول انتظار، والتي سيُبنى الكثير عليها، على مستوى دعم لبنان، بما في ذلك مواكبة مرحلة إعادة الإعمار.
جولة "جسّ نبض"؟
على الرغم من الصمت الذي أحاط بجولة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان على مختلف المسؤولين، فإنّ العناوين التي ركز عليها في محادثاته معهم بدت شبه موحّدة، وأولها الوضع الأمني القائم بعد الحرب
الإسرائيلية الأخيرة، علمًا أنّ المسؤولين اللبنانيين وفي مقدّمهم الرئيس عون، حمّلوه صراحةً دعوة لباريس، ومعها المجتمع الدولي، للضغط على إسرائيل من أجل الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار "حفاظًا على صدقيتهم".
وضمن عناوين الزيارة أيضًا، حضر الملفّ الإصلاحيّ، الذي ليس خافيًا على أحد أنّ فرنسا توليه أهمية قصوى في هذه المرحلة، وهي التي تدعو اللبنانيين منذ سنوات إلى انتخاب رئيس وتشكيل حكومة أصيلة، وكلّها عوامل تحقّقت عمليًا، ما يفترض أن يفتح الباب على مصراعيه أمام إطلاق ورشة الإصلاحات، التي ينتظرها المجتمع الدولي منذ سنوات، والتي ربطها بأيّ دعم يمكن أن يقدّمه للبنان، بنتيجة العديد من المؤتمرات التي رعتها باريس تحديدًا.
وبين هذين العنوانين الأساسيّين، ثمّة من يرى جولة لودريان بمثابة "جسّ نبض" يمهّد لزيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى باريس يوم الجمعة، حيث تتّجه الأنظار إلى اللقاء الذي سيجمعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، علمًا أنّ لودريان الذي تشير معطيات إلى زيارته عواصم عربية قبل عودته إلى باريس، سيقدّم تقريرًا لماكرون قبل لقاء الأخير لعون، بما يسمح للقاء أن يكون "مثمرًا"، وبالتالي يحمل نتائج "ملموسة" على أكثر من صعيد.
ماذا عن إعادة الإعمار؟
إذا كانت زيارة لودريان إلى بيروت تندرج في خانة "التحضير" لزيارة الرئيس جوزاف عون إلى باريس، فإنّ الثابت أنّ أحد عناوينها الأساسية يبقى "إعادة الإعمار"، ولا سيما أنّ باريس سبق أن أعلنت عن نيّتها تنظيم مؤتمر دولي يتمحور حول إعادة إعمار المناطق المهدَّمة بنتيجة العدوان
الإسرائيلي على لبنان، وهو مؤتمر يتطلّع إليه لبنان بوصفه "نقطة الانطلاق" في ورشة تشكّل "حملاً ثقيلاً" على حكومة العهد الأولى.
وإذا كانت فرنسا بدأت الإعداد لهذا المؤتمر، من أجل إنجاحه، كما باشرت اتصالات مع العديد من الدول الصديقة للبنان لضمان نجاح مساعيها، فإنّ المعطيات تؤكد أنّ مسعاها لا يزال يصطدم ببعض المطبّات، من
بينها أنّ الخروقات الإسرائيلية مستمرّة، وسط توقّعات بأنّ بقاء إسرائيل في التلال الخمس، وإصرارها على ما تسمّيه بـ"حرية الحركة"، لا يهدف عمليًا سوى لمنع أيّ عملية لإعادة الإعمار في القرى الجنوبية الحدودية، أقلّه قبل تحقيق بعض المكاسب.
وربطًا بهذا العائق، تبرز التسريبات التي انتشرت في الساعات الأخيرة، عن عمليات "ابتزاز" حصلت، قد يكون الأميركيون دخلوا على خطّها، عبر "ربط" إعادة الإعمار بنزع سلاح "حزب الله" بالكامل، طالما أنّ الوصول إلى "تطبيع"
العلاقات بين لبنان وإسرائيل متعذّر للعديد من الأسباب والاعتبارات، علمًا أنّ الموقف الأميركي يفترض أن يتبلور خلال زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى
المنطقة، مورغان أورتاغوس، المرتقبة بعد عطلة عيد الفطر.
في النتيجة، قد تكون زيارة لودريان إلى بيروت "تحضيرية" لزيارة عون إلى باريس، حيث تتّجه كلّ الأنظار إلى اللقاء المرتقب بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لقاء يترقّبه الجميع بوصفه "مفصليًا" للعهد الجديد، وسط رهانات بالجملة عليه، من أجل إعادة فتح أبواب الدعم للبنان، بعد سنوات من تعليق المساعدات بانتظار انتظام المؤسسات، وقد تكون إعادة الإعمار هي "بوابة" مسار الدعم هذا، رغم كل الصعوبات والتحديات!