بعيدا عن التواصل الذي حصل امس بينهما بسبب العدوان الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت وبهدف الحد منه، يبدو ان الخلاف بين رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لمسار من التباينات السياسية والشخصية بين الرجلين. برز هذا الخلاف في ملف تعيين حاكم جديد لمصرف
لبنان، حيث لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى توافق حول الشخصية التي ستتولى هذا المنصب الحساس، مما عمّق الفجوة بينهما وكشف عن غياب التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
في الواقع، يقول مطلعون ان الرئيس عون لم يكن راغبًا منذ البداية في وصول نواف سلام إلى رئاسة الحكومة، بل كان يفضل شخصية أخرى أكثر انسجامًا مع توجهاته. هذا المعطى الأساسي جعل العلاقة بين الطرفين تتسم منذ البداية بعدم وجود "كيمياء" سياسية تجمعهما، الأمر الذي انعكس على أداء الحكومة وتعاطيها مع الملفات الحساسة. ومع تزايد الأزمات السياسية والاقتصادية، تعمقت الخلافات بين الرجلين، حيث بدا أن كل طرف يسعى إلى ترسيخ نفوذه على حساب الآخر.
من العوامل التي عززت موقع العماد جوزيف عون في هذا الصراع هو الدعم الأميركي الذي يحظى به، والذي سمح له بأن يتصرف كرئيس
جمهورية بصلاحيات واسعة شبيهة بتلك التي كان يتمتع بها رؤساء الجمهورية قبل اتفاق الطائف. هذا النهج لم يلق قبولًا لدى نواف سلام، الذي شعر بأن صلاحيات رئاسة الحكومة تتعرض للتهميش، خاصة في ظل الضغوط السياسية والإعلامية التي يتعرض لها، والتي تجعله يبدو في نظر بيئته السنية غير قادر على حماية موقعه وصلاحياته الدستورية.
الخلاف بين الرجلين لا يقتصر على ملف تعيين حاكم مصرف
لبنان، بل يمتد إلى قضايا أخرى، أبرزها تأجيل الانتخابات البلدية. ففي حين يصر العماد عون على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، يرى نواف سلام أن الظروف الحالية تستدعي تأجيلها، ما يعكس تباينًا في الأولويات بينهما. هذا التباين ليس مجرد تفصيل سياسي، بل يعكس اختلافًا في الرؤى حول طريقة إدارة البلاد في ظل الأزمة العميقة التي تمر بها.
على صعيد آخر، فان خلافا اخر بين الرجلين سيبرز في موقفهما من حزب الله. فبينما
يحاول العماد جوزيف عون التعامل مع هذا الملف بعقلانية وبراغماتية، يتبنى نواف سلام خطابًا أكثر حدة تجاه الحزب، مما يزيد من الشرخ بينهما. هذا التمايز في المقاربة السياسية يعكس اختلافًا جوهريًا في النظرة إلى التوازنات
الداخلية والخارجية التي تحكم المشهد اللبناني، ويؤشر إلى أن الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مرشح لمزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة، في حال لم يتم التفاهم على نهج محدد لادارة شؤون الدولة والعباد حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة.