كتب طوني عيسى في" الجمهورية"؛ زيارة مورغان أورتاغوس الثانية لبيروت كانت أخطر من الأولى. فصحيح أنّها هذه المرّة تجنّبت إحراج الدولة علناً بالضغط عليها لنزع السلاح عاجلاً، ولو بالقوة، لكنها في الاجتماعات المغلقة - وفق ما تردّد- كانت أكثر تشدّداً وحزماً لتحقيق هذا الهدف ضمن مهلة معينة. واللافت هو تبلور مفهوم أميركي جديد ل »المهلة ». فهي لم تعد محدّدة زمنياً على الأرجح، وإنما تبقى رهناً بإنضاج الظروف الملائمة للتنفيذ. بالتجربة، وبمعرفتها بخصوصيات الوضع اللبناني، تدرك واشنطن أنّ الدولة لن تغامر بنزع سلاح «
حزب الله » بالقوة، أياً كانت الظروف والعواقب، وأنّ أركان الحكم يفضّلون أن يصل «الحزب » نفسه إلى لحظة يشعر فيها بأنّ سلاحه لم يعد مجدياً له، وأنّ الاحتماء بالدولة هو الأفضل، فيضع هذا السلاح في تصرفها.
وفي الواقع، جميع المعنيين بهذا الملف يتصرفون بباطنية واضحة. ف «الحزب » وقع اتفاقاً لوقف النار ينص على نزع السلاح، لكنه يرفض الالتزام ضمناً كما فعل في مقاربته للقرار 1701 بعد حرب 2006 . وأوكل «الحزب » إلى الدولة مهمّة يعرف أنّها شبه مستحيلة، وهي سحب إسرائيل من كل النقاط التي تحتلها وإجبارها على وقف ضرباتها
العسكرية.
فقدرات الدولة لا تسمح لها بذلك، ولا الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل. لكن الدولة، من جهتها، أطلقت وعداً للأميركيين بأنّها ستأخذ على عاتقها سحب سلاح «الحزب »، لكنها في الواقع لا تنوي إطلاقاً القيام بذلك.
وأما الأميركيون فيعرفون كل شيء عن الجميع، و »يتفهمون » ظروف الدولة، لكنهم يراهنون على أنّها و »الحزب » سيجدان طريقة للوفاء بالالتزامات، تحت الضغط السياسي والمالي الذي يمارسونه وضربات إسرائيل التي تبدو وحدها غير مضطرة إلى إخفاء موقفها الحقيقي، وهي تقوم بترجمته عسكرياً.
هذه المواقف، على رغم من التناقض، تتقاطع عند نقطة معينة، وهي أنّ «
حزب الله » سيجد نفسه في النهاية مضطراً إلى حسم ملف السلاح في أي اتجاه، خصوصاً إذا حُسم ملف النزاع بين إيران والولايات المتحدة، سواء بالضربة
العسكرية أو بإبرام صفقة جديدة على أنقاض اتفاق فيينا 2015 . لكن «الحزب » يطمح إلى تحصيل أثمانٍ سياسية مقابل التخلّي عن هذا السلاح، ما يضعه أمام أحد خيارين: هل يسارع إلى التسوية
الداخلية الآن، فيستفيد من الأوراق المتبقية بين يديه؟ أم يمضي في الرهان حتى نهاية النزاع الذي يخوضه محور طهران بكامله، لعله يقطف الثمار المترجاة؟ وإذ يعتقد البعض أنّ «الحزب » سيلتزم القتال مع المحور حتى النهاية، فإنّ آخرين يتوقعون أن ينخرط في التسوية
الداخلية إذا طالت المعركة الإقليمية، وبات صعباً التكهن بمدى الإفادة منها.
ويعتقد هؤلاء أنّ الوقت يضيق أكثر فأكثر أمام الجميع لحسم الخيارات. فالشرق الأوسط يعيش لحظات حاسمة ستقرّر مصير المواجهة التي بلغت ذروتها بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. ولقاء بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب في واشنطن سيكون على الأرجح نقطة انطلاق تنفيذية لقرار سيتمّ اتخاذه بين الطرفين حول هذا الملف وملفات أخرى حيوية، كالتدخّل التركي الذي تخشاه إسرائيل في سوريا.