في أول زيارة لها للبنان كانت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس مقتنعة بأن "
حزب الله" انتهى، وأنها لم تعد خائفة منه. أمّا في زيارتها الثانية فكانت أكثر واقعية في ما طرحته من أفكار، خصوصًا في ما يتعلق بنزع سلاح كل الميليشيات وليس فقط سلاح "حزب الله". وأكدت أنه "كلّما استطاع الجيش الوصول إلى أهدافه ونزع سلاح جميع الميليشيات يتحرّر الشعب اللبنانيّ بشكل أسرع من النفوذ الأجنبيّ والإرهاب والخوف".
فما بين الزيارتين قاسم مشترك يتمثّل في استمرار إسرائيل بخرق اتفاق وقف إطلاق النار. وهذه الخروقات، في رأي أكثر من معني، لن تسهّل التوصّل إلى استقرار سياسي وأمني واقتصادي دائم. وما سمعه الذين التقوا اورتاغوس هذه المرّة فوجئوا بما تحمله معها من طروحات يُفترض أن تتضح هذا الاسبوع كنتائج عملية لهذه الزيارة، التي أجمع جميع الذين التقتهم على وصف لهجتها هذه المرّة بـ "الديبلوماسية الناعمة" بعكس ما اتسمت به لهجتها في الزيارة الأولى من حدّية.
ففي زيارتها الأولى تركت الموفدة الأميركية انطباعًا لدى جميع الذين التقوها أو الذين استمعوا إلى تصريحها من على منبر القصر
الجمهوري في بعبدا بأنها لم تحمل معها سوى العصا الأميركية الغليظة. ولكن في زيارتها الثانية حملت معها إضافة إلى العصا أكثر من جزرة، خصوصًا أنها كانت أكثر واقعية في ما طرحته من أفكار تراوحت بين أهمية نزع سلاح جميع الميليشيات، ومن ضمنها سلاح "حزب الله"، وربط هذا الأمر بإعادة إعمار ما دمّرته إسرائيل. وفي هذه النقطة بالذات استعملت عصاها حين زاوجت بين الأمرين، فكان كلامها واضحًا، وهو أن لا إعادة إعمار أن لم يُنزع السلاح من أيدي الجميع، وبالأخصّ سلاح "حزب الله".
قد يكون من المفيد جدًّا أن يسمع اللبنانيون من مصادر رسمية في كل من المقرّات الرئاسية الثلاثة كلامًا تفاؤليًا عمّا طرحته الموفدة الأميركية من أفكار كان إخراجها متناسقًا مع جو التهدئة، الذي يُعمل له في مطابخ العاصمة الأميركية. وبعكس المرّة السابقة كانت اللهجة أكثر هدوءًا وأكثر عقلانية من المرّة السابقة. ولعل في هذا التغيير الملفت ما يمكن البناء عليه للتأسيس للمرحلة المقبلة، التي ستشهدها المنطقة، خصوصًا أن
لبنان جزء أساسي من الحل المنشود على الطريقة الأميركية. وثمة قناعة أميركية بأن ما يجري على الساحة
اللبنانية من تطورات مرتبط حكمًا بالتطورات الإقليمية، ومن بينها المفاوضات الجارية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمسؤولين الإيرانيين عبر الرسائل المتبادلة، والتي اُستعملت فيها سياسة "العصا والجزرة". فإذا نجحت هذه المفاوضات فإنها ستنعكس حتمًا على الوضع اللبناني في شكل أساسي. أمّا إذا تعثّرت ولم تصل إلى نتيجة إيجابية فإن هذا التعثّر سينعكس حتمًا على الوضع اللبناني المتأثر بكل ما يدور حوله من أحداث، سواء عبر حدوده الجنوبية، حيث يستمرّ العدو
الإسرائيلي في خرقه لاتفاق الهدنة بصيغته الجديدة، أو عبر حدوده الشمالية والشرقية، التي تشهد تدفقًا متزايدًا للنازحين السوريين عبر المعابر غير الشرعية بدلًا من أن تشهد المعابر الشرعية حركة لعودة آمنة وطوعية للنازحين الموجودين في كل مكان على الأراضي اللبنانية.
وعلى عكس ما قيل في الاعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي قبل وصولها إلى لبنان عن وضع لبنان أمام "الفرصة الأخيرة وإلّا التصعيد"، لم يسمع أحد من أورتاغوس أي موقف في هذا الشأن. إلاّ أن هذا لم يمنعها من تمرير ما أرادت تمريره بطريقة ديبلوماسية، وهو أن وضعية سلاح "حزب الله" خارج الشرعية، والتأخر في حل هذا الملف "سيُبقيان البلاد في دائرة الخطر ويمنعان استقطاب الدعم الخارجي"، مُذكّرة بوجوب الانخراط في "مجموعات العمل الدبلوماسية الثلاث"، التي سبق أن أعلنت عنها بين بيروت وتل أبيب لبتّ مسألة التلال الخمس التي تحتلها إسرائيل، والأسرى اللبنانيين لديها، والنقاط المتنازَع عليها على الخط الأزرق تمهيداً لتثبيت الحدود البرية.
وهذا ما أشار إليه الرئيس نبيه بري بعد لقائه رئيس الجمهورية إلى أنّه لم يسمع من الموفدة الأميركية أي دعوة إلى التطبيع مع إسرائيل وحتى مسؤولين إسرائيليين لم يطرحوا هذا الأمر.
وفي تقدير أولي للزيارة يمكن القول إن أورتاغوس بدت متفهّمة للواقع اللبناني وخصوصيته أكثر من المرّة السابقة. فما الذي تغيّر؟ (للحديث صلة).