خلال أقلّ من شهر، يفترض أن يكون اللبنانيون على موعد مع الانتخابات البلدية والاختيارية، في مرحلتها الأولى في
محافظة جبل
لبنان، على أن تليها الانتخابات في سائر المحافظات على مراحل عدّة، يكون "مسك ختامها" في الجنوب، في تاريخ يُعَدّ "رمزيًا"، هو الخامس والعشرون من أيار، الذي يصادف عيد
المقاومة والتحرير، وهو يوم قد تنطوي عليه الكثير من الدلالات، خصوصًا في الظروف الحاليّة التي يشهدها البلد.
لكن، مع بدء العدّ العكسي لصافرة "انطلاق" الانتخابات البلدية، يوم الأحد
الرابع من أيار، وفق الجدول الذي أعلنه
وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار، يبدو أنّ أهمّ "مقوّمات" الاستحقاق غائبة، أو ربما "مغيّبة"، والمقصود بذلك "الحماوة المفترضة" للاستحقاق الانتخابات، خصوصًا بعد سنوات عدّة من التمديد، شُلّت معها الكثير من
المجالس البلدية، وباتت عاجزة عن أداء الحدّ الأدنى من مسؤولياتها وواجباتها، علمًا أنّ بعضها "حُلّ" بحكم الأمر الواقع.
قد يكون لذلك ما يفسّره، في ظلّ الأولويات التي تشهدها البلاد، التي لا تزال محكومة بالوضع الأمني المستجدّ عن الحرب
الإسرائيلية الأخيرة، والخروقات المتواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار، فضلاً عن استحقاقات "ثقيلة" من نوع نزع السلاح فرضت نفسها على الأجندة، على وقع ضغوط أميركية وإسرائيلية واضحة، من دون أن ننسى "الشكوك المشروعة" بمصير الاستحقاق، في ضوء الحديث عن تأجيل محتمل للانتخابات لأشهر أخرى..
الانتخابات "غير" محسومة..
هكذا، توحي كلّ الوقائع أنّ الاستحقاق الانتخابي "غير محسوم" في شهر أيار المقبل، كما هو مُعلَن، فتأكيدات رئيس الحكومة نواف سلام ووزير
الداخلية عن العزم على إجرائها في موعدها لا تبدو كافية، ومثلها مزايدات الكتل النيابية على بعضها بالتصميم على رفض أيّ تمديد للانتخابات ولو جاء تحت عنوان تقني، كذلك الوارد في اقتراح القانون المقدّم من النائبين وضاح الصادق ومارك ضو، المقرّبين أساسًا من رئيس الحكومة، ولو تنصّل علنًا من اقتراحهما.
لعلّ هذا البعد يفسّر غياب "الحماوة
الانتخابية" حتى الآن، بعكس ما يفترض في مثل هذه الأيام، حيث يفترض أن يدخل البلد بأكمله "المعركة" قبل أشهر من موعد الاستحقاق، في وقت لا تزال الحركة المسجَّلة في هذا الإطار حتى الآن متواضعة، بل خجولة، وفي غالبها الأعمّ "محلية الطابع"، بعيدًا عن الانخراط الحقيقي للأحزاب السياسية، إلا في بعض المناطق التي يتوقع أن تشهد معارك كبرى، وإن كانت "المحلية" سمة مفترضة للانتخابات البلدية بصورة عامة.
وإلى بعد "الغموض" الذي لا يزال مهيمنًا على الاستحقاق الانتخابي، الذي يبقى على ما يبدو "رهينة" قرارات ربع الساعة الأخير، يشير العارفون إلى أنّ ما يفسّر غياب الحماوة الانتخابية، يبقى في أنّ انشغالات الناس لا تزال في مكانٍ آخر، وتحديدًا في مواكبة تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة، فالاستحقاق البلدي لا يعني اللبنانيين اليوم بقدر ما يعنيهم مثلاً "ضمان" عدم الذهاب إلى حرب أخرى، أو نضوج صورة إعادة الإعمار المجمَّدة.
ماذا عن التحالفات؟!
لكن، هل يعني ما تقدّم، أنّ الأحزاب السياسية لا تزال تتفرّج على المشهد، وأنّ التحالفات لا تزال هي الأخرى غير محسومة، بانتظار حسم مصير الانتخابات؟ لا إجابة دقيقة على ذلك، وإن كان العارفون يرجّحون أن البحث بالتحالفات، خصوصًا على المستوى السياسي، قد بدأ عمليًا، تفاديًا لتكرار سيناريو انتخابات 2022 النيابية مثلاً، حين وجد الناس أنفسهم في قلب المعركة، بعدما كانوا يعتقدون أنّ التمديد سيحصل حكمًا في اللحظة الأخيرة.
لكنّ البحث بالتحالفات يبقى حتى الآن، في خانة "مبدئية" وفق العارفين، الذين لا يعزون ذلك إلى الطابع "المحلي" للانتخابات البلدية، الذي تتداخل معه العوامل السياسية والمناطقية، وحتى العائلية التي تلعب دورًا أساسيًا في رسم "خريطة" الاستحقاق على أكثر من مستوى، ولكن أيضًا إلى كون التحالفات السياسية بصورة عامة، وليس الانتخابية فحسب، غير محسومة، بالنظر إلى المتغيّرات التي طرأت على المشهد عمومًا.
بهذا المعنى، يبقى الترجيح الأكبر أن تسود قاعدة "التحالفات على القطعة"، التي تفصل بين مبدأي
التحالف السياسي والانتخابي، والتي كانت قد تكرّست بصورة أو بأخرى في العديد من الاستحقاقات السابقة، علمًا أنّ الحديث عن هذه التحالفات بدأ يتداول في أكثر من منطقة، كالتحالف بين "
حزب الله" و"
التيار الوطني الحر" مثلاً في بعض المناطق، على الرغم من التباعد الذي حصل في السياسة بينهما بعد الحرب الأخيرة.
في النتيجة، لا تزال البرودة طاغية على المشهد الانتخابي البلدي، "برودة" يفترض أن تتقلّص في الأيام القليلة المقبلة، لتنقلب "حماوة" لن تكون على الأرجح "بالغة السخونة"، بانتظار أن ينضج "مصير" الاستحقاق، الذي لا يزال الانطباع السائد لدى معظم المتابعين، أنه سيؤجَّل في اللحظة الأخيرة، علمًا أنّ هناك من يرى في النقاشات الحاصلة حول "المناصفة" في بلدية بيروت، ما يمهّد لتبرير مثل هذا التأجيل!