غالباً ما تكون قصص العاملات المنزليات الأجنبيات في
لبنان مليئة بالسوداوية. إلا أن الطموح والأمل دائماً ما يخلقان مساحة كبيرة من الإستثناءات، كما هو حال العاملة فياني نغويماكوي دجوفا، التي أصبحت رائدة أعمال وناشطة وقائدة مجتمعية.
بدأت قصتها في لبنان عام 2015، حين وصلت من الكاميرون بحثًا عن عمل كي تدعم أسرتها، ودخلت ضمن نظام الكفالة اللبناني، إلا أن مهاراتها كخياطة محترفة مكّنتها من الخروج من هذا
النفق وصولاً نحو إطلاق ورشتها الخاصة فبدأت ببناء مصدر دخل مستدام بعيدًا عن العمل المنزلي.
ووفق ما كشفته لهيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، لم يكن طريقها سهلاً أبدًا إذ قالت: "وصلت إلى
المطار مفعمة بالأمل، ظننت أنني سأعمل لمدة ستة أشهر ثم أنتقل إلى
فرنسا لمتابعة دراستي في مجال الموضة"، إلا أن كفيلها خدعها على حد تعبيرها.
فأشارت إلى أنه فور نزولها من الطائرة، تمّت مصادرة جواز سفرها وأخذوها إلى غرفة صغيرة حيث جلس العمال المهاجرون على الأرض، مقسمين حسب العرق.
وقالت إنه "بعد ستة أشهر، طلبت من الكفيلة التي اعمل لديها أن تستخدم راتبي لإنهاء أوراقي حتى أتمكن من
المغادرة لتحقيق حلمي فنظرت إلى زوجها، ثم إلي، وضحكت وقالت: "أنتِ
ملكي. أنتِ ممتلكاتي. لا تغادرين إلا إذا قلت أنا ذلك".
عملت دجوفا لأكثر من عام دون كلل، تنام في المطبخ، وتستيقظ مع
الفجر، وتخدم عائلة من 6 أفراد دون راحة. وعندما تمكنت أخيرًا من مغادرة ذلك المنزل، عادت إلى الكاميرون لتجد نفسها في
دورة جديدة من المعاناة.
فقالت: "عدت بلا شيء. فقط 35 دولارًا في
جيبي. أُخذ راتبي، أُخذ هاتفي، كل شيء اختفى. كان علي أن أبدأ من الصفر، أقوم بأعمال خياطة صغيرة في مقابل دولار أو دولارين. لكن كيف لي أن أبني مستقبلاً بهذه الطريقة؟"
مع عدم وجود خيارات أخرى وضغط الأحلام غير المحققة، اتخذت القرار الصعب بالعودة إلى لبنان لتجد نفسها في بيت فيه 14 شخصًا، إلا أنها بلغت نقطة الانهيار حينما هددها صاحب العمل بسكين.
في عام 2020، ومع انهيار
الاقتصاد اللبناني وبدء الإغلاقات بسبب كوفيد-19، وصلت دجوفا إلى الحضيض فدخلت في اكتئاب عميق، ثم تذكرت أن ما تحبه حقًا هو الخياطة فاشترت دجوفا ماكينة، وسرعان ما تحولت أعمالها الصغيرة إلى شيء أكبر.
وقالت: "بدأ المجتمع يتشكل من حولي فكانت النساء يأتين إلي ليتعلمن. كنت أعلمهن الخياطة، لكن في الحقيقة، كنت أعلمهن كيف ينجين. كنت أقول لهن: "يمكنكِ أن تفعلي شيئًا لنفسك. لا عليكِ أن تقبلي المعاناة كمصير محتوم".
وبدأت دجوفا تُدرّس في منظمتين غير حكوميتين تدربان النساء المهاجرات على الخياطة.
مع تدهور الأوضاع في لبنان وتصاعد الصراعات، وجدت دجوفا نفسها مرة أخرى في الصفوف
الأمامية لأزمة إنسانية. حين اندلعت الحرب في لبنان، أجبرت حالة عدم الاستقرار العديد من
المهاجرين الذين كانوا يعيشون أصلاً في ظروف هشة على التشرد. ومع غياب الدعم الرسمي، تولّت دجوفا بنفسها مهمة تتبع ومساعدة المحتاجين.
لبنان بحاجة فعلاً إلى قصص ملهمة بعيداً من كل ما يجذبه نحو التمييز العنصري، وكراهية الأجانب، وممارسات العمل الاستغلالية، والاحتجاز التعسفي. فالعالم واسع وبإمكانه استيعاب أكبر قدر من الأحلام والطموحات، علّه يصبح مكاناً أفضل بكثير للعيش.