ذكر موقع "The Atlantic Council" الأميركي أنه "في أعقاب انهيار وقف إطلاق النار بين
إسرائيل وحماس في غزة، تصاعدت المخاوف من تجدد القتال شمال إسرائيل بعد تعرضها لإطلاق صواريخ مجهولة المصدر من جنوب
لبنان. نفى
حزب الله تورطه، ولم يستأنف هجماته على إسرائيل كما ولم يهدد بذلك. وفي الواقع، إن
الموقف الأكثر حذراً الذي يتخذه الحزب يشير إلى أنه يدرك أنه ليس في حالة تسمح له بالقتال. هذا الواقع يضع الحزب في مأزق. فالردّ الفعّال على تجدد الجهود
العسكرية الإسرائيلية في غزة أو هجماتها المستمرة في لبنان سيُعيد البلاد إلى الحرب، ويُلغي مساعيها للحصول على مساعدات إعادة الإعمار، ويُخاطر بتفاقم استياء اللبنانيين، والأهم من ذلك، استياء الشيعة. لكنّ الرضوخ، وإن كان الخيار الأنسب حاليًا للحزب، يحمل في طياته أيضًا خطر كشف ضعفه وعجزه عن مواجهة الإسرائيليين، وهذا بدوره يُهدد باستنزاف دعم الشيعة. وللتغلب على هذه المعضلة، يلجأ حزب الله إلى وسائل الدعاية لترويج وضعه الصعب بطريقة إيجابية".
تأثير الحرب مع إسرائيل
وبحسب الموقع، "خلال الحرب التي استمرت عامًا، دمّرت إسرائيل أجزاءً كبيرة من ترسانة الحزب، وقضت على أفضل قادته العسكريين وقياداته السياسية العليا. وقد حدّ سقوط بشار
الأسد في
سوريا وصعود الرئيس الأميركي
دونالد ترامب في
واشنطن بشدة من فرص حزب الله في التجدد. وفي الوقت عينه، يواجه الحزب في لبنان شعبًا وسياسيين متذمرين من حرب غير ضرورية، ويطالبون بنزع سلاحه. ورغم الضغوط التي يواجهها حزب الله، فإنه لا يهدف حاليًا إلى إعادة بناء قوته الكافية لمحاربة إسرائيل أو للسيطرة على لبنان بشكل كامل، بل يركز على هدفه الأنسب، وهو تجاوز مأزقه الحالي والبقاء. وسيكون الحفاظ على دعمه الواسع بين الشيعة اللبنانيين أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق هذا الهدف، إذ يردع أي تحركات عدائية محتملة من جانب خصوم حزب الله السياسيين أو الحكومة
اللبنانية".
وتابع الموقع، "لكن الحفاظ على أنصاره سيعتمد على نجاح حزب الله في إعادة إعمار منازل وممتلكات الطائفة الشيعية التي دُمرت في الحرب الأخيرة مع إسرائيل. كما سيحتاج الحزب إلى إثبات قدرته على ردع إسرائيل وهزيمتها في المعركة، وهي صورة رسّخها حزب الله على مدى عقود. في حين أن كلتا المهمتين ستشكلان تحديات للحزب، فإن المهمة الأخيرة ستكون أكثر صعوبة. ففي تشرين الثاني الماضي، أجبر الإسرائيليون حزب الله على التخلي عن وعده بمواصلة مهاجمة إسرائيل حتى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وذلك بعد شهرين فقط من دعوة الأمين العام الراحل لحزب الله، حسن نصر الله، تل أبيب مباشرةً لمحاولة إجبار حزبه على التراجع. ولا شك أن تقاعس حزب الله عن التحرك مع استئناف القتال في القطاع الفلسطيني يسلط الضوء على هذا الاستسلام".
حفظ ماء وجه حزب الله
وبحسب الموقع، "يرتكز سرد حزب الله لحفظ ماء وجهه، أولاً وقبل كل شيء، على ادعائه النصر على إسرائيل في الحرب الأخيرة. ويستند هذا إلى ثلاثة ادعاءات. يسعى الادعاء الأول إلى إثبات أن حزب الله كان عليه شن هجمات ضد إسرائيل في 8 تشرين الأول 2023. وبالتالي، يزعم أنه كان يستبق غزوًا إسرائيليًا وشيكًا وغير مبرر للبنان. وهذا يُبرئ حزب الله فورًا من إثارة حرب غير ضرورية مع الإسرائيليين بشأن صراع خارجي في ظل انهيار اقتصادي لبناني شبه كامل، ويُصوّر إسرائيل على أنها المعتدي. وبعد أن عاد الحزب ليضع نفسه حامياً للبنان، يُبالغ في سرديته بشكل كبير في احتمالات مواجهة أهداف الحرب الإسرائيلية، مُدّعياً أن الإسرائيليين، بدعمٍ أميركي وأوروبي غير محدود، سعوا إلى تدمير حزب الله تمامًا، والوصول إلى بيروت، والسيطرة على لبنان. ويُعتبر فشل إسرائيل في تحقيق هذه الأهداف دليلًا على نجاح الحزب".
وتابع الموقع، "من هنا، يدّعي حزب الله أن قراره بالموافقة على وقف إطلاق النار من جانب واحد جاء "من موقع قوة"، على حد تعبير أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، أي استجابةً لمطالب الدولة اللبنانية، لتجنيب الشعب اللبناني المزيد من المعاناة على أيدي الإسرائيليين "القتلة"، بدلاً من الرضوخ للضغط العسكري
الإسرائيلي. ولذلك، أكّد قاسم مرارًا وتكرارًا أنه من
الطبيعي أن يقبل حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024، لأنه لم يسعَ قط إلى إشعال حرب. في حين أن هذا الجزء من رواية حزب الله يُقصد به سرد أحداث الماضي بدقة، إلا أن الحزب طوّر أيضًا تفسيرًا مُفصّلًا لاستمراره في إطلاق النار رغم العمليات الإسرائيلية المتواصلة. وفي ما يتعلق بلبنان، يُصرّ الحزب على أنه مدفوع بنفس الشعور بالمسؤولية الوطنية الذي دفعه إلى قبول اتفاق وقف إطلاق النار، وليس بالضعف. ويزعم مسؤولو حزب الله أن المسؤولية الوطنية تُلزم الحزب الآن بإعطاء الدبلوماسية والدولة اللبنانية فرصة للتعامل مع التهديد الإسرائيلي، مُحذرين في الوقت نفسه من أن صبر الحزب ليس بلا حدود".
وأضاف الموقع، "في ظلّ تقاعس حزب الله تجاه
الفلسطينيين، دأب على التأكيد على تضحياته حتى الآن من أجل "
المقاومة" وشعب غزة. وخلال الحرب وبعدها، أكّد الحزب أن جبهة دعمه في جنوب لبنان قد أعاقت تقدم الجيش الإسرائيلي، مما أبطأ تقدمه في قطاع غزة. على أي حال، أصرّ حزب الله على أن الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 27 تشرين الثاني 2024 تعني فقط أن الحزب سيواصل "دعم فلسطين بأشكال مختلفة" بدلًا من التوقف تمامًا. وقد فعل حزب الله ذلك في السنوات الماضية بتسليح وتدريب جماعات مسلحة، مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، تعمل داخل إسرائيل لتنفيذ هجماتها الخاصة، أو بتسهيل عمليات ضد الإسرائيليين من قِبل فروعها اللبنانية. وقد سمح ذلك لحزب الله بمواصلة الضغط على إسرائيل، واستنزاف الجيش الإسرائيلي، وإثبات التزامه المستمر بالقضية
الفلسطينية، مع الحفاظ على قدر كافٍ من الإنكار المعقول لتجنب رد إسرائيلي متناسب".
وبحسب الموقع، "لكن الآن، انقطعت الصلة المباشرة بين حزب الله والفصائل الفلسطينية
في إسرائيل، سواءً بسقوط الأسد في سوريا أو باستمرار احتلال الجيش الإسرائيلي لخمس نقاط استراتيجية في جنوب لبنان. وفي غضون ذلك، ما لم يُوقف الضغط الدبلوماسي هجماتهم في لبنان، فإن الإسرائيليين عازمون على فرض قواعد اشتباك جديدة مع حزب الله، ستحرمه من قدرته القديمة على الاختباء خلف جهات مجهولة أو أطراف ثالثة. في الأسابيع الأخيرة وحدها، ردّت إسرائيل بقوة على إطلاق صواريخ مجهولة المصدر من مناطق يسيطر عليها حزب الله في جنوب لبنان، واغتالت القائد البارز في حزب الله،
حسن علي بدير، في بيروت، بزعم مساعدته حماس في التخطيط لهجوم واسع النطاق ضد إسرائيليين في الخارج. ورغم هذه الصعوبات، لا يزال حزب الله يمتلك الميزة الوحيدة التي منحت رواياته زخمًا سابقًا. فالحزب، في نهاية المطاف، يسعى إلى إقناع جمهور نصفه مؤمن، بالمعنى الواسع، ونصفه الآخر أسير الخوف، بدلًا من اقتناع المشككين أو الخصوم المعلنين".
وختم الموقع، "لكن من السابق لأوانه الحكم على فرص نجاح حزب الله هذه المرة. فالحقائق، في نهاية المطاف، قاسية بطبيعتها. ولكن هذه المرة، قد يكون الواقع القاسي واضحاً للغاية وساحقاً بالنسبة لأجهزة الدعاية المتطورة التابعة لحزب الله بحيث لا
تستطيع أن تزعم أن "حزب الله" قد خرج منتصراً مرة أخرى".