في قانا، لم تكن المجزرة حادثة عابرة في زمن الحرب، بل كانت نموذجاً صارخاً لعدوانٍ لا يعرف
الرحمة، ولعقيدةٍ عسكرية تستبيح
الدم لتحقّق أهدافها. كانت قانا، ولا تزال، مرآة لماهية هذا العدو؛ كيانٌ يقوم على القتل، ويتنامى على بثّ الرعب، ويفرض وجوده بالدم!
منذ سنوات طويلة والذاكرة تنزف. لا يمضي نيسان من دون أن يعود المشهد بكل تفاصيله، أجساد ممزقة في ملجأ
الأمم المتحدة، صرخات أطفال، وعالم يكتفي بالإدانة الباهتة، ثم يصمت.
قانا لم تكن لحظة، بل نموذجاً لمسار من الإجرام الذي اعتمده
الاحتلال في كل المراحل. فبعد
عدوان 2006، كان الجنوب اللبناني أيضاً على موعدٍ جديد، العام المُنصرم، مع النيران. بلدات بأكملها سُوّيت بالأرض، أطفال انتُشلت جثثهم من تحت الأنقاض، مناطق قُصفت، وإعلام دولي تلعثم أمام الحقيقة. هو
الوجه ذاته للعدوّ الذي قصف قانا والمشهد نفسه لا يزال يتكرّر، الفارق الوحيد أنّ
ذاكرة العالم صارت أضعف، ودماءنا باتت تُراق في عتمة
النسيان وسط أصواتٍ تبرّر للقاتل وتُدين الضحية. ولكن في
زحمة كل هذا الموت، ثمة ما لا يمكن اغتياله؛ الذاكرة. ذاكرتنا التي لا تزال حيّة، تُقاوم التزوير، وترفض النسيان.
في ذكرى مجزرة قانا، يجب أن نعيد تثبيت البوصلة، وأن نكتب الحقيقة التي ارتوت بدماء شهدائنا؛ إنّ بيننا وبين هذا العدو بحراً من الدماء، وثأراً طويلاً لا يهدأ بمرور الأيام، وتاريخاً لا يُمحى.
قانا لن تُنسى… لأنها لا تزال تحدث.