رغم أن معظم المساعدات الأميركية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزال تُوجه إلى دول مثل
إسرائيل، مصر، والأردن، إلا أن
لبنان كان من بين الدول الأكثر تضررًا من تخفيضات إدارة
ترامب المفاجئة للمساعدات الخارجية. منذ سنوات، شكّلت المساعدات الأميركية شريان حياة لبلد يرزح تحت أزمات متراكمة: انهيار اقتصادي، نظام صحي هش، نزوح سوري كثيف، وتوترات حدودية مع إسرائيل. ووسط هذه الفوضى، كان التمويل الأميركي يدعم مشاريع أساسية في مجالات الغذاء، الرعاية الصحية، المأوى، وتوفير فرص العمل. في السنة
المالية 2024،
التزمت الولايات المتحدة بنحو 2.3 مليار دولار كمساعدات إنسانية لمنطقة
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خصص جزء مهم منها للبنان. كما وُجّهت عشرات الملايين لدعم اللاجئين، والاستجابة للأزمات، وتنشيط القطاع الصحي. لكن قائمة مسرّبة لمشاريع أُلغيت أظهرت حجم الضرر: فقد أُوقف تمويل تطوير الأعمال الصغيرة وخلق فرص العمل بقيمة 38 مليون دولار، إلى جانب 13 مليون دولار كانت مخصصة للاستجابة للأزمات الطبية. هذا في وقتٍ ينهار فيه النظام الصحي اللبناني، وتعجز المؤسسات عن تلبية أبسط الاحتياجات. حتى المشاريع التي كانت تستهدف النهوض بالمجتمع المدني وتعزيز
الديمقراطية لم تسلم. توقفت تقريبًا كل التمويلات الخاصة ببرامج دعم الصحفيين، المدافعين عن حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، ما يُضعف المجتمع المدني في وقتٍ هو بأمس الحاجة للدعم.
الضغوط لا تقتصر فقط على منظمات المجتمع المدني، بل تمتد إلى الحكومة
اللبنانية نفسها، التي تعاني من شُح التمويل وصعوبة تأمين المساعدات. غياب هذا الدعم يُفاقم الانهيار، ويُعرّض
ملايين اللبنانيين واللاجئين للخطر.. ربما يرى البعض في المساعدات الأميركية تدخلاً سياسيًا، وربما تُثار شكوك حول نواياها، لكن لا يمكن إنكار أثرها الإنساني المباشر. التخفيضات التي فرضتها إدارة ترامب تُهدد الأمن الغذائي، وتُضعف البنى التحتية الأساسية، وتُضاعف معاناة شعبٍ أنهكته الأزمات. وفي خضم الانهيار الاقتصادي، وعجز الدولة عن الاستجابة للأزمات المتراكمة، كانت المساعدات الدولية – وعلى رأسها الأميركية – تُشكّل شريان الحياة لمئات الآلاف من اللبنانيين واللاجئين على حد سواء. لكن هذا الشريان مهدد بالانقطاع، إذ علم "لبنان24" من مصدر خاص أنّ حزيران 2025، سيكون
الموعد المرتقب لنفاد التمويل، مما ينذر بانهيار شبكة الأمان الاجتماعي والإنساني في البلاد.
وحسب أحدث تقارير اطّلع عليها "لبنان24"، فإنّه بين 1 و14 آذار 2025، وزع برنامج الأغذية العالمي (WFP) وجبات يومية على أكثر من 15,000 نازح في الملاجئ، وقدّم طرودًا غذائية جاهزة للأكل لـ63,900 شخص في المناطق المتأثرة بالصراع اللبناني
الإسرائيلي. ومنذ وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024، تمكّن البرنامج من إيصال المساعدات إلى 600,000 شخص، من خلال الغذاء أو المساعدات النقدية. لكن هذا الزخم بدأ يتلاشى.
وحسب المعلومات، في شباط، اضطر البرنامج إلى خفض مساعداته النقدية بنسبة 40%، ليصل فقط إلى 500,000 لاجئ سوري. ومنذ بداية نيسان، بوشر تقليص العدد أكثر ليشمل فقط 200,000 من الأكثر عرضة للجوع، وهو ما لا يتعدى 24% من الهدف الأصلي. وعُلم أنّه تم إبلاغ العائلات المستثناة من المساعدة برسائل SMS.
والأسوأ مقبل، حسب المصدر، حيث قال إذا لم يتم تأمين تمويل إضافي، فإن الموارد ستنفد بالكامل بحلول حزيران 2025، ما يعني أن أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان، إلى جانب مئات الآلاف من اللبنانيين، سيُتركون دون أي دعم غذائي أو نقدي. وتشير بالتوازي التقارير، إلى أنّ الفجوة التمويلية في الأشهر الستة المقبلة تُقدّر بـ83%، وهي نسبة كارثية تجعل من المستحيل الاستمرار بنفس وتيرة الدعم. كما أن تدفق لاجئين جددا من
سوريا، بعد التحولات السياسية الأخيرة،
يزيد الضغط على الأرض والموارد.
ورغم ما يبدو من إشارات عن نية أميركية للتراجع عن بعض قرارات وقف المساعدات، تبقى الصورة ضبابية. فقد كشفت تقارير صحفية أن إدارة الرئيس الأميركي
دونالد ترامب طلبت، قبل أيام فقط، استئناف ستة برامج مساعدات غذائية طارئة تم وقفها مؤخرًا، من بينها برامج لبرنامج الأغذية العالمي في لبنان وسوريا والصومال والعراق والأردن والإكوادور. وجاء هذا التحرك عقب رسالة داخلية من جيريمي لوين، القائم بأعمال نائب مدير "USAID"، وهو نفسه عضو في "إدارة الكفاءة
الحكومية" التي يشرف عليها إيلون
ماسك. لكن المثير للشك أن هذا التراجع جاء بشكل مفاجئ ومتسرّع، وأثار علامات استفهام حول الارتجالية والتخبّط داخل الإدارة الأميركية. مصادر مطلعة أكدت لـ"لبنان24" أن القرارات صدرت بالتراجع عن إلغاء بعض برامج المساعدات، لكن على الأرض، لم تُسحب أو تُعدَّل الرسائل النصية التي وصلَت إلى مئات الآلاف من العائلات في لبنان، والتي تُبلغهم بانقطاع الدعم، خاصة أولئك الذين
انتهت فرصتهم بالاستفادة من المساعدات.