وذكر التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" أنَّ الوضع الحالي المتمثل في السيادة المتصدعة في لبنان وسوريا، يُعطي لمحة عما يمكن اعتباره حلاً رسمياً، وهو "تفكيك لبنان وسوريا إلى دولتين أصغر ذات سيادة".
ويلفت التقرير إلى أن "منطقة
الشرق الأوسط، المنطقة التي تعاني باستمرار من الصراعات والتشابكات الجيوسياسية، وصلت إلى ذروة غير مسبوقة من الفوضى في أعقاب الهجمات الشنيعة التي وقعت في السابع من تشرين الأول 2023".
وقال إنَّ "الهجمات المُدبّرة الصادرة عن حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، والمدعومة من قبل مجموعة من الجماعات الموالية لإيران في اليمن والعراق وسوريا، قد أبرزت هشاشة البنية التحتية في المنطقة، وقد أدى رد الحكومة الإسرائيلية إلى تغييرات جوهرية في الهياكل الحكومية في كل من لبنان وسوريا، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات على كيانات أخرى".
وتابع: "على وجه الخصوص، تولت حكومات جديدة السلطة في كلا
البلدين عقب التراجع الحاد في نفوذ
حزب الله في لبنان وإسقاط نظام
الأسد في
سوريا . لكن
السؤال المحوري - هل ستُحقق الحكومات الجديدة في لبنان وسوريا التحول الذي تتوقعه المنطقة والعالم؟ الأمر يتطلب تفكيراً عميقاً، ويمكن
القول إنَّ هذه الهياكل الحكومية الجديدة غير مستدامة لأنها لا تُعالج المشكلة الأساسية المتمثلة في الجمود الطائفي المتجذر في كلا البلدين".
وأردف: "السؤال الأساسي هنا هو التالي: لماذا تعتبر الحكومات الجديدة في لبنان وسوريا غير قابلة للاستمرار؟ بينما غالباً ما تتصدر الردود
العسكرية الفورية والمفاوضات الدبلوماسية العابرة عناوين الأخبار، فإنه نادراً ما تعالج هذه الإجراءات التصدعات الكامنة التي تُديم حالة عدم الاستقرار. وعليه، يتطلب مستقبل مستدام للشرق الأوسط إعادة تصور هيكلية جريئة تقوم على تفكيك الدول القومية وظهور كيانات سيادية أصغر تعكس الهويات الطائفية والمذهبية المتنوعة في المنطقة. هذا المفهوم، المقترح للبنان، يجد نفس القدر من الأهمية، إن لم يكن أكبر، في حالة سوريا".
وأكمل: "يتطلب تصميم نظام هيكلي جيو-استراتيجي جديد في الشرق الأوسط تغييرات معقدة ومتعددة الطبقات والأوجه، إذا أُريدَ تحقيق تحول جذري في النظام الجيوسياسي للمنطقة وإيجاد حلول أكثر استدامة. ويبدأ ذلك بإعادة صياغة كيفية إدراك القادة السياسيين وصانعي السياسات للتحديات الكبرى الحرجة وتفسيرها والتعامل معها. فبدلاً من اتباع حدود مصطنعة، ينبغي على هؤلاء القادة النظر بجدية في الصراعات الطائفية والهويات الطائفية".
وأوضح أنَّ "نظام الدولة الحديثة في الشرق الأوسط هو نتاج عمليات تاريخية، تأثرت بشكل كبير بالتدخلات والمؤامرات الإمبريالية"، وتابع: "لقد تجاهلت
اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916، التي تُعدّ رمزًا للتقسيم الاستعماري، التركيبة العرقية والطائفية للمنطقة، مما أجبر الجماعات المتباينة على التعايش المضطرب".
ولفت إلى أنَّ "التوسيع الكبير لحدود لبنان الذي قام به الموارنة في مؤتمر باريس للسلام في تشرين الأول 1919، وإعلان استقلال لبنان (مع استمرار النفوذ الفرنسي) في تشرين الثاني 1941، والانتخابات وقبولها عام 1943، لم يُسهم إلا في ترسيخ البنية والنظام الجيوسياسي المصطنع والمُشكل لهذا البلد. كان لبنان مزيجاً من المسيحيين الموارنة، والمسلمين السنة والشيعة، والدروز، وطوائف أخرى، تفككت تحالفاتها الهشة خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً. وحتى اليوم، ورغم مرور عقود، لا تزال خطوط الصدع الطائفية قائمة".
وأكمل: "سوريا، كما لبنان، مزيجٌ من الطوائف - السنة، والعلويون، والأكراد، والمسيحيون، والدروز، وغيرهم - التي ثبت استحالة تعايشها القسري في إطار وطني واحد. لقد أبرزت الحرب الأهلية
السورية العواقب الوخيمة لهذه
الوحدة غير الطبيعية. إن دعوة أحمد
الشرع، الزعيم الفعلي لسوريا، إلى سوريا موحدة تستند إلى ركائز واهية، فالجماعات الطائفية، سواءً كانت سنية أو لاحقة، مدعومة من الدول الداعمة لها (مثل
إيران وتركيا)، ستنخرط في لعبة محصلتها صفر، متمسكةً بالتغلب على الآخرين".
وأوضح أنَّ "الحالة الراهنة من السيادة المكسورة ــ التقسيم الفعلي في كل شيء ما عدا الاسم ــ تقدم لمحة عما يمكن إضفاء الطابع الرسمي عليه باعتباره حلاً: تفكيك لبنان وسوريا إلى دولتين أصغر ذات سيادة على أساس الخطوط الطائفية والجغرافية. إن تقسيم لبنان إلى كيانات دويلات صغيرة، وتفكيك سوريا إلى اتحاد من الدول المدن، على أساس الحقائق العرقية والطائفية فضلاً عن الهويات المجتمعية، يحمل على الأقل أثرين استراتيجيين رئيسيين لنظام جيوسياسي جديد ومستدام في هذه البلدان والمنطقة ككل".
وتابع: "هذا الأمر سيسمح بإنشاء كيانات أكثر تجانساً واستقراراً، مما يقلل من احتمالية نشوب عنف طائفي داخل كل بلد. أيضاً، ستكون لهذا الأمر تداعيات على الصراع الدائم بين
إسرائيل والدول المجاورة. إن وجود اتحاد من المناطق المستقلة في لبنان، إلى جانب منطقة عازلة منزوعة السلاح في جنوبه، من شأنه أن يُحيّد الهيمنة العسكرية لحزب الله ويُقلّص النفوذ
الإيراني . وبالمثل، فإن تطبيق هذا الإطار على سوريا قد يُضعف نفوذ أحد الطرفين (حيث يعتبر كل منهما سوريا وكيلاً له)، مما يُعزز نظاماً إقليمياً أكثر توازناً".
واستكمل: "إن مبرر تقسيم لبنان إلى كيانات أصغر - والذي يُطرح كحلٍّ للجمود الطائفي المتجذر - يُقدم نموذجاً مُقنعاً. لقد أفرز تاريخ الشرق الأوسط من الوحدة المفروضة دوراتٍ لا هوادة فيها من الصراع. باحتضان التنوع
الطبيعي لشعوبها وإعادة تصور الحكم من خلال كيانات أصغر ذات سيادة، يُمكن للمنطقة أن ترسم مساراً جديداً. يُمثل لبنان وسوريا، باعتبارهما نموذجين مُصغّرين لأزمة الشرق الأوسط الأوسع، فرصةً لريادة هذا التحول النموذجي".
وقال: "مع أن تفكيك الدول القومية القائمة قد يبدو جذرياً، إلا أنه يتماشى مع الواقع على الأرض. وبعيداً عن كونه رؤية مثالية، يُمثل هذا النموذج نهجاً عملياً لإنهاء دوامة العنف وعدم الاستقرار التي ابتليت بها المنطقة لأكثر من قرن".
وختم: "بإعادة صياغة مقولة قديمة، فإن الأسوار الجيدة - أو في هذه الحالة، الحدود المشتركة الجيدة - تصنع جيراناً طيبين. ومن خلال إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية، قد يجد الشرق الأوسط
السلام والازدهار اللذين طال استعصاءهما عليه".