في خضم الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اجتاحت الرسوم الجمركية العالم كإعصار اقتصادي، وكانت الصين في قلب العاصفة، إذ بلغت الرسوم المفروضة على منتجاتها 145%. وردّت بكين سريعًا بفرض رسوم انتقامية بنسبة 125% على السلع الأميركية، ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار المنتجات الفاخرة داخل السوق الأميركية.
غير أن الرد الصيني لم يقتصر على الإجراءات الاقتصادية التقليدية، بل جاء هذه المرة من بوابة "تيك توك"، حيث تحوّلت المنصة إلى أداة لكشف حقائق صادمة عن كبرى العلامات التجارية العالمية.
المصانع الصينية تكشف المستور
فقد خرج عدد من أصحاب المصانع الصينية عبر مقاطع مصوّرة ليؤكدوا أن المصانع المتهمة بتقليد المنتجات الفاخرة، هي نفسها من تُنتج هذه السلع لصالح ماركات عالمية مثل هيرمس، شانيل، لوي فيتون، برادا، غوتشي وديور. وأوضحوا أن كلفة تصنيع هذه المنتجات تتراوح بين 6 و1000 دولار، بينما تُباع بأسعار قد تصل إلى 50 ألف دولار وأكثر.
وكان الكشف الأبرز يتعلق بحقيبة "بيركن" الشهيرة من هيرمس، التي يُباع بعضها بسعر يصل إلى نصف مليون دولار، فيما لا تتجاوز كلفتها الفعلية 460 دولارًا فقط. وأظهرت الفيديوهات أن الخامات والحرفية واحدة، وأن الفارق الحقيقي يكمن فقط في اسم العلامة التجارية. وقد شجعت هذه الحملة المستهلكين على التوجه نحو شراء المنتجات مباشرة من المصانع الصينية، بعيدًا عن الوكلاء.
ولم تقتصر الحملة على القطاع الخاص، بل انخرطت فيها الحكومة الصينية بشكل غير مباشر، عندما كُشف أن قبعات "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا" التي ارتداها ترامب، والفستان الأحمر الذي ظهرت به المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت خلال مؤتمر هاجمت فيه الصين، كلاهما من صناعة صينية، ما تسبب بموجة سخرية وأحرج الإدارة الأميركية أمام الرأي العام.
مواقع جديدة تبيع المنتجات الفاخرة بأسعار منخفضة
في أعقاب هذا الجدل، سرعان ما بدأت تنتشر مواقع وتطبيقات إلكترونية مثل "DHgate"، "Voghion"، و"Taobao"، تروّج لبيع نفس المنتجات العالمية التي ظهرت في مقاطع "تيك توك"، ولكن بأسعار أقل بكثير. وبحسب ما يُشاع، فإن هذه المنصات توفّر السلع نفسها المصنعة في الصين، مع إمكانية شحنها إلى مختلف أنحاء العالم، ما دفع الملايين من المستهلكين إلى التهافت على طلبها.
وفي موازاة هذا التوجّه، اشتعلت حملة سخرية واسعة النطاق على مواقع التواصل، استهدفت المؤثرين والأثرياء الذين دأبوا على استعراض حقائبهم الفاخرة التي أنفقوا عليها مبالغ طائلة. ورفع رواد الإنترنت شعارًا ساخرًا مفاده أن "كل شيء يُصنع في الصين".
رد الشركات العالمية
إلا أن الشركات العالمية المعنية لم تلتزم الصمت، وسارعت إلى نفي هذه الادعاءات بشكل قاطع، مؤكدة أنه لا علاقة لها بأي من المصانع الصينية التي ظهرت في المقاطع المنتشرة. وشدّدت على أن تصنيع منتجاتها يتم حصريًا في دول أوروبية أو أميركية، أو في الحد الأدنى خارج الأراضي الصينية.
من جهة أخرى، حذّر خبراء في القطاع من الانجرار وراء هذه الحملات، معتبرين أن ما يُباع عبر هذه المنصات ما هو إلا نسخ مقلدة تستغل حالة البلبلة الحاصلة نتيجة تصاعد الحرب التجارية، وتبيعها للمستهلكين.
إلّا أن هذا النفي لم يكن كافيًا لاحتواء أثر الحملة التي أطلقها عدد من أصحاب المصانع الصينية، والتي سرعان ما خلخلت ثقة المستهلكين ب"البراندات" العالمية. فالصورة اللامعة التي لطالما ارتبطت بالفخامة والهيبة بدأت تتشوش، خصوصًا في نظر الجيل الجديد، الذي يجد في "تيك توك" منصته الأولى والأكثر تأثيرًا. ومع هذا التحوّل، بدأ كثيرون ينظرون إلى هذه "البراندات" كرموز للاستغلال، وبدأوا بإعادة التفكير في قيمة هذه العلامات.
مصير "البراندات" في لبنان
وأثارت شائعات متداولة مؤخرًا مخاوف في لبنان والمنطقة من انسحاب محتمل لبعض العلامات التجارية العالمية من السوق المحلي، خاصة بعد أن كانت قد عادت إلى بيروت إثر غياب فرضته الأزمة المالية في 2019. هذه المخاوف طالت شريحة واسعة من المتابعين والمؤثّرين، لا سيّما أن العديد منهم يملكون قطعًا فاخرة تُستخدم أحيانًا كوسيلة استثمار، مثل الحقائب التي تُشترى بأسعار وتُباع لاحقًا بأعلى منها.
للتحقّق من صحة هذه المعلومات، تواصل "لبنان 24" مع أحد المسؤولين في شركة وكيلة لعدد من هذه العلامات في لبنان، الذي نفى وجود أي نيّة للانسحاب، مؤكدًا أن استمرارية هذه البراندات تقوم على الحملات التسويقية الكبرى، الحماية القانونية لأسمائها وشعاراتها، بالإضافة إلى فرق التصميم التي تصنع هوية كل منتج. كلّ هذه العوامل تضمن لها ولاء الزبائن وحضورا دائما في الأسواق.
أما موجة الشائعات المتداولة على الإنترنت، فهي لا تتعدى كونها حملة تهدف إلى الترويج لمنتجات معيّنة من قبل بعض الأفراد، ولا علاقة لها بواقع عمل الشركات في لبنان. فهذه "البراندات" تستثمر مليارات الدولارات حول العالم، وتوظّف ملايين الأشخاص، ومن غير المنطقي الحديث عن انسحابها بهذه السهولة.
المصادر وصفت ما يجري بأنه "حرب دعائية مؤقتة"، تتكرر بين الحين والآخر لأهداف تسويقية، ولا تعكس تهديدًا فعليًا لاستمرارية هذه العلامات التجارية في السوق اللبناني.