انشغلت الأوساط السياسية في اليومين الماضيين بخبر "استدعاء" وزير الخارجية يوسف رجّي السفير الإيراني مجتبى أماني، على خلفيّة منشور له على منصّات التواصل الاجتماعي، اعتبر فيه أنّ "مشروع نزع السلاح مؤامرة واضحة ضد الدول"، لافتًا إلى أنّ إيران "تعي خطورة هذه المؤامرة (...) وتحذر الآخرين من الوقوع في فخ الأعداء"، ومشدّدًا على أن "حفظ القدرة الردعية هو خط الدفاع الأول عن السيادة والاستقلال ولا تنبغي المساومة عليه".
ومع أنّ السفير الإيراني لم يُسمّ
لبنان بالاسم في تغريدته، إلا أنّ تزامنها مع النقاش السياسي الحاصل في البلد، والذي وصل إلى أوجه في الآونة الأخيرة، حول نزع
سلاح "
حزب الله" أعطاها بعدًا واضحًا، علمًا أنّها جاءت بعد ساعات فقط على كلمة للأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم شدّد فيها على أنّ فكرة نزع السلاح "يجب أن تُزال من القاموس"، ما جعل كثيرين يقرأون فيها "تدخّلاً في شأن لبناني"، ودخولاً على خطّ السجال القائم.
وعلى الرغم من أنّ "حادثة" الاستدعاء للدبلوماسيّين الإيرانيين في
بيروت قد لا تكون الأولى من نوعها، إلا أنّ ما جعلها "سابقة" برأي كثيرين، أنّها جاءت على خلفيّة تغريدة للسفير الإيراني، يعبّر فيها عن رأيه من شؤون عامة، وهو ما يطرح
السؤال عن الرسائل الكامنة خلف الاستدعاء الذي قوبل بانقسام في مقاربته بين مؤيّدي "حزب الله" الذين اعتبروا خطوة الوزير دليلاً على تحيّزه، وخصومه الذين رأوا فيها "
بطولة" تستحقّ الإشادة!
"الدولة تستعيد هيبتها"
يقول المؤيّدون لخطوة وزير الخارجية، إنّ ما فعله الأخير يشكّل نقطة "مضيئة" في أداء "العهد" الذي يبدو مصمّمًا على الذهاب بعيدًا في استعادة "هيبة الدولة"، وهو الذي لا يفوّت فرصة إلا ويؤكد فيها على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وبالتالي بسط الدولة سيطرتها على كامل الأراضي
اللبنانية، ما يعطي الاستدعاء "رمزية" بهذا المعنى، عبر رفض أيّ محاولات لفرض أيّ "وصاية" على القرار اللبناني، من أيّ نوع كانت.
برأي هؤلاء، فإنّ
القول إنّ السفير الإيراني لم يسمّ لبنان بالاسم، وكان يعبّر عن رأي أعمّ، باعتبار أنّ منطق "نزع السلاح" ليس محصورًا بلبنان، بل يشمل أيضًا حركة
حماس في
قطاع غزة، وغيرها من فصائل
المقاومة، لا يجدي، أولاً لأنّ
كلام السفير جاء متزامنًا مع سجال داخليّ حول هذا الموضوع في لبنان، وبعد خروج "حزب الله" عن صمته إزاءه، والأهمّ من ذلك، أنّ مقرّ عمل السفير هو في لبنان، ما يعطي أيّ كلام يصدر عنه، بعدًا لبنانيًا.
ويعتبر المؤيدون لخطوة الوزير، أنّها حقّقت الأهداف منها سريعًا،
بدليل التصريحات الصحافية للسفير التي بدا فيها كمن يتراجع عن أقواله الأولى، بتأكيده أنّ موضوع نزع سلاح حزب الله "شأن داخلي لا نتدخل به"، إلا أنّهم يشدّدون على أنّ إصرار الوزير على إعطاء السفير موعدًا آخر بعد اعتذاره عن الحضور، يؤكد إصراره على إيصال
الرسالة، وعلى التأكيد أنّ المعادلات السابقة تغيّرت، وأنّ على الدبلوماسيّين احترام سياديّة الدولة اللبنانية على قراراتها.
"خطأ" الوزير.. هل يفعلها؟!
لكنّ رأي مؤيدي الوزير يصطدم برأي شريحة واسعة معارضة لما تعتبره توجّهًا "شعبويًا" أقدم عليه، فإذا كان صحيحًا أنّ استدعاء أيّ سفير أو دبلوماسي هو حقّ مشروع له كوزير للخارجية، من حيث الشكل، فإنّ ثمّة إشكالية "جوهرية" في المضمون، بحسب ما يقول هؤلاء، الذين يلفتون إلى أنّ الوزير يريد "محاسبة" السفير على تغريدة، مصادرًا بذلك حقّه في التعبير عن رأيه، والرأي غير ملزم، ولا صحّة للحديث عن "فرضه" على أيّ فريق.
وإذا كان الوزير اعترض على دخول السفير الإيراني على خطّ السجال حول سلاح "حزب الله"، عبر إعطاء رأي رافضٍ لنزعه، فإنّ آخرين سبق أن تدخّلوا في هذا النقاش الداخلي في الاتجاه المعاكس، من دون أن يجدوا اعتراضًا من الوزير، بل إنّ بعض أصحاب وجهة النظر هذه يسألون عمّا فعله الوزير بعد تصريحات نائبة المبعوث الأميركي
مورغان أورتاغوس الأسبوع الماضي، والتي أساءت فيها إلى أحد قادة الأحزاب، وبشكل نافر، وغير مسبوق.
هل يفعلها وزير الخارجية ويستدعي أحد الدبلوماسيين
الأميركيين احتجاجًا على كلام أورتاغوس؟ يقول هؤلاء إنّ هذا الأمر "سابع المستحيلات"، وهو ما ينزع صفة "البطولة" عن استدعاء السفير الإيراني، ويدرجه في خانة "الحسابات السياسية الحزبية الضيقة"، علمًا أنّها ليست المرّة الأولى التي يُتّهَم فيها وزير الخارجية من قبل دوائر "حزب الله" تحديدًا، بتغليب مصالح "
القوات اللبنانية" على حساب الالتزام بسياسة الحكومة التي ينتمي إليها.
لم يكن مُستغرَبًا أن يضيع "استدعاء" السفير الإيراني في "البازار" الداخلي، فمعارضو إيران سيعتبرونه "فعل بطولة"، تكرّس أنّ البلد أصبح في مكانٍ آخر، في حين سيرى فيه مؤيّدوها "انحيازًا فاضحًا" يستدعي "مساءلة" الوزير، لا السفير. وبين هذا الرأي وذاك، يبقى الثابت أنّ البلد لا يزال في ذروة انقسام، يبدو أنّ النقاش حول السلاح عقّده أكثر، أقلّه بانتظار نضوج المفاوضات
الإيرانية الأميركية، التي إما تترجم انفراجًا، أو انفجارًا!