استعاد القصر
الجمهوري في بعبدا امس بعضاً من وجوه تجربة وجود العماد ميشال عون فيه قبل 28 عاماً حين كان رئيساً للحكومة العسكرية الانتقالية وذلك من خلال «الوجه الشعبي» الذي فُتحت معه أبواب القصر للوفود والحشود التي «زحفت» في يوم تهنئةٍ لـ «فخامة العماد».
وقد رُفعت على
مدخل القصر لافتة كبيرة كُتب عليها «بيت الشعب» وهي التسمية التي كان عون و«التيار الوطني الحر» يطلقانها على القصر إبان مرحلة 1988 -1990 التي شهدت ابتداء من نوفمبر 1989 ظاهرة الحشود الشعبية التي تولّت في حينه تشكيل «طوق بشري» لحماية «الجنرال» بعد إقرار
اتفاق الطائف واعتبار عون متمرّداً على الشرعية في أعقاب رفضه هذا
الاتفاق وكل ما ترتّب عليه من انتخاب رئيسٍ للجمهورية (رينيه معوض اولاً الذي اغتيل في 22 نوفمبر 1989 بعد 17 يوماً من انتخابه ثم الياس الهرواي)، وصولاً الى العملية العسكرية التي نفّذها الجيش السوري ضد «القصر» بطائرات السوخوي في 13 اكتوبر 1990 وما اعقبها من دخول هذا الجيش المناطق المسيحية وخروج «الجنرال» الى السفارة الفرنسية التي بقي فيها حتى اغسطس 1991 حين غادر الى المنفى الباريسي حيث بقي حتى مايو 2015.
وفيما كانت المفارقة الزمنية في «احتفالية الفرح» لمناصري عون بأن توقيتها جاء غداة ذكرى حلّ عون البرلمان في 5 نوفمبر 1989 قبيل انتخاب معوّض رئيساً، فإن
«الرئيس - الجنرال» الذي عاد الى القصر بعد 26 عاماً على متن
اتفاق الطائف وكضامن للالتزام بمقتضياته وإن من ضمن «نسخة» منه لم يسبق ان شهدتها «جمهورية الطائف» اي وصول «الرئيس القوي» (شعبياً) الى الرئاسة الأولى، بدا حريصاً على التعاطي مع «أحد الشعب» من موقع رئيس الجمهورية وليس «القائد الحزبي» وهو ما تجلى اولاً في رفعه شارة النصر امام مناصريه عوض شارة «التيار الحر»، وعدم وجود اي أعلام حزبية والتشدد في ان يكون العلم اللبناني وحده في الباحات المحيطة بالقصر.
وأطل عون على الحشود التي كانت بدأت تتقاطر منذ ساعات الصباح الاولى ليتوجّه اليهم من على منصة أحاطها من الجانبين 5 من الرموز الذين واكبوا «الجنرال» من الثمانينات، بعبارته الشهيرة «السحرية» المحببة لدى انصاره «يا شعب لبنان العظيم».
ثم كانت كلمة مرتجلة استغرقت تلاوتها نحو ربع ساعة، عاد عبرها الى استذكار عملية 13 اكتوبر 1990 لكن من دون ان يسمي سورية بل تحدث عن «لعبة دولية كبيرة انتصرت علينا وتركت الجنود غير اللبنانيين يقتحمون بلدنا»، ومعلناً «لا اذكر الا الطائرات تحمي بعضها طبقة فوق طبقة، طيران غريب لا اريد ان اسمي لانه لم يعد لدي الآن من سبب للتسمية».
وفي إشارة الى مرحلة وجوده في القصر، قال: «لم نحارب اللبنانيين ولم يكن هدفنا الوصول الى السلطة، بل ان نعطي الحرب معناها الحقيقي وهي كانت من اجل حرية وسيادة واستقلال لبنان. ولاجل هذا الهدف، لم نحاول مرة ان نتجاوز خطوط التماس لانه لم يكن على أرضنا غير لبنانيين، اكان في سوق الغرب او في خطوط التماس في بيروت او اي جهة اخرى (...)». اضاف: «خروجنا من هذا المكان لم يكن مذلّاً.لقد خسرنا المعركة ولم نسحق (...) واليوم عدنا وصنعنا وحدتنا الوطنية. واليوم سنبدأ مرحلة ثانية، مرحلة بناء الوطن».
واكد في إطلالة على سياسة العهد «اننا اليوم امام مشروع كبير. ان وصولنا الى رئاسة الجمهورية ليس الهدف بل الهدف ان نبدأ بناء وطن قوي عبر تعزيز وحدته الوطنية»، وقال: «الوطن القوي يحتاج الى دولة قوية تبنى على دستور يحترمه السياسيون جميعاً. وما في راس رح يخرق سقف الدستور من الآن فصاعداً»، واعداً بأنه «ستظهر للبنانيين عدالة وقوى أمنية غير مسيّسة وغير تابعة للقوى السياسية، لانها مؤتمَنة على احترام وفرض احترام القوانين. وبالتالي لا يصبح شعار ان ينام المواطن وبابه مفتوح شعاراً فارغاً».
واذ اعلن «تنتظرنا مشاريع كبيرة»، ذكّر بأنه «تم اسقاط المشاريع والتعاطي بكيدية سياسية لعرقلة عملنا، أي مشاريع الكهرباء والمياه وتحسين اوضاع الطرق»، واعداً بأن لبنان سيعود «منفتحاً على العالم وخصوصاً العالم العربي».
وشدد على «المحافظة على استقلالنا وسيادتنا وحريتنا، ولن نكون مرهونين لاي بلد آخر، فاستقلالنا وسيادتنا ليسا عداوة ولا يشكلان خصومة مع دول اخرى، لا بل صداقة صريحة وقدرة على احترامها، لاننا نكون قد تخلصنا من التأثيرات الخارجية»، ومتعهداً «ان الفساد سيستأصل»، بحسب ما جاء في "الراي" الكويتية.