Advertisement

لبنان

من طفلة بئر الدلهمية إلى حضانة "الكسر والخلع".. ومنظومة القيم المهترأة

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
20-06-2018 | 06:04
A-
A+
Doc-P-485388-6367056643475605365b2a26b430953.jpeg
Doc-P-485388-6367056643475605365b2a26b430953.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger

لم يمر عيد الفطر "سعيدا" على أكثر من بلدة ومدينة. في سرعين الفوقا البقاعية جريمة ثأرية ذهب ضحيتها قتيلان بينهما سيدة، وبين آل جعفر وآل الجمل تهديدات وتوعد ووعيد بالسلاح الثقيل على خلفية ثأرية أيضاً، قبلها خلاف على عقار بين أخ وأخيه يدفع العم لقتل ابن أخيه، ليعود أب القتيل وينتقم بحرق منزل شقيقه، وقبلهم جميعاً ارتكبت جريمة وأحرقت بيوت نتيجة خلاف على دخول قطيع ماشية لشخص إلى بستان آخر، الأمر الذي تسبب بحرب صغيرة استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة.

وفي مشهدية صادمة، عثر قبل أيام على رضيعة مرمية، حية، في بئر ماء في بلدة الدلهمية البقاعية، أَبَت النفوس الشريرة أن تُزهق روحها الطاهرة قبل أن تذيقها ظلم البشر وجحودهم.

بعيداً عن الأرياف، كانت عناصر قوى الأمن في بيروت تقتلع طفلاً من أحضان أمه صبيحة العيد، تنفيذاً لقرار قضائي مرتكز إلى نظام أبوي مُترهل، وتسلب أماً حضانتها لطفلها بـ "الكسر والخلع"، وقريباً منهم كانت حضانة – بدا أنها تصلح لكل شيء إلا الرعاية والاهتمام والتنشئة – تمنع طفلاً من الدخول إليها بسبب لونه وجنسه!! قبله وقبله.. المشهد يتكرر، فوضوية وثارات وعنفٌ مكبوت، وعنصرية مقيتة، وجرائم وتجاوزات وتراكمات تنذر بخطورة الأوضاع التي لا تعكس استقراراً هشاً، وتفلتاً أمنياً، وجموداً في النصوص القانونية فحسب، بل اختلالاً وفتوراً في نظام القيم الاجتماعي، والأخطر أن كل ذلك ينذر بالأسوأ بفعل الانسداد وغياب الأفق ومحدودية الخيارات.

في تقرير نشر مؤخراً عن الانتحار في لبنان، أشارت إحصاءات قوى الأمن الداخلي إلى حالة انتحار كل يومين ونصف يوم في لبنان، ومحاولة انتحار كل ست ساعات. وفي عام 2014 شهدت معدلات الانتحار ارتفاعا بلغ 30 في المئة مقارنة بالعام 2013، وشهد العام 2017 نسبة مماثلة. أما العام الجاري فالنسبة فيه مرتفعة حتى اليوم مقارنة بباقي الأعوام. ففي آخر إحصاء غير رسمي في 2018، سجّل ما مجموعه مئة حالة انتحار حتى آخر أيار الماضي. مئة ضحيّة على مدى خمسة أشهر فقط من العام الجاري، في مقابل 143 حالة انتحار في 2017 وفق احصاءات قوى الأمن الداخلي و144 حالة في 2014، وهاتان النسبتان هما الأعلى منذ عام 2009 (112 حالة).

الوقائع والأرقام، وكل سلوكيات التطرف والارهاب وظواهر التحلل الاجتماعي والأخلاقي، وانتشار المخدرات وتوابعها، تكفي لتأكيد وجود أزمة اجتماعية – أخلاقية في ظاهرها، لكنها عوامل عدة، سياسية واقتصادية شاركت في استفحالها، ليس أقلها عدم الاستقرار وانسداد الأفق، والفساد بوجوهه المتعددة، وعدم ايلاء السلطة الاهتمام الكافي للرعاية والأمن الاجتماعي والتربوي، وتداعيات الحرب السورية التي أوجدت مجتمعاً رديفاً جلب معه ممارسات وعادات وسلوكيات غير شائعة سابقاً.. كل ما ذكر أنتج احتقاراً لإنسانية الانسان، وعدم مراعاة لحرمة حياته وعظمتها، وكشف عورات البلد وحاجته للعودة للفطرة السليمة.

الواقع أن الإنسان في لبنان، من دون اعتبارات الدين والمذهب والرتبة الاجتماعية والمالية، ليس قيمة بحدّ ذاته، وهذا ما ينمي نزعة التمرد على الدولة، وعدم الاحتكام للقانون، بل وعدم التردد في الانزلاق نحو الغرائز وردود الأفعال، وإلا كيف يمكن تفسير فوضى السلاح، وثقافة اليأس، واحتقار الحياة، و"معاداة" الفرح والنجاح والتميّز والشغف بالانجاز والتقدم؟

الاضطراب الذي يضرب المجتمع هو في أحد وجوهه كفرٌ بالدولة، واستسلام لمنطق أن الفراغ وغياب السياسات والرؤى هو "الاصل" وهو المتحكم في تفاصيل الحياة العامة. والمطلوب لململة ذلك بسرعة من خلال ورشة وطنية عاجلة وشاملة. فطالما أن الإصلاح السياسي أو التغيير الشامل مستحيل، فلا بدّ من العمل على صون المجتمع وإعادة السكينة إليه كمقدمة ضرورية لصناعة المستقبل.

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك