على رغم الايجابية التي طبعت اللقاء الباريسي بين الرئيس المكلف سعد الحريري والوزير جبران باسيل، الاّ أن انعكاساته لم تصل بعد الى الداخل اللبناني، حيث ينتظر الجميع ما ستؤول اليه اتصالات الساعات المقبلة بين الرئيس سعد الحريري وجميع الفرقاء في مسعى لتذليل العقبات التي تحول دون تأليف الحكومة المقبلة. وفي هذا السياق، جاء الاجتماع الذي عقد أمس بين الوزير باسيل ومسؤول مسؤول وحدة الامن والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا، بعد الجولة التي يقوم بها "حزب الله" على مجموعة من الحلفاء والتي كان قد استهلها بلقاء وزير الخارجية والنائب طلال ارسلان.
إلا ان مصادر سياسية مقربة كشفت لـ"اللواء" أن أي قرار حول موعد ولادة الحكومة لم يتخذ وأن المفاوضات في هذا الملف لم تصل إلى تطور جديد يسمح بالقول إن المرحلة الثانية انطلقت لأن البحث لا يزال يدور حول بت الحصص. وأوضحت المصادر انه من غير المعروف ما إذا كان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري سيزور قصر بعبدا اليوم أم لا، خصوصا أنه سيكون منشغلا بزيارة المستشارة الألمانية انغيلا ميركل إلى بيروت والتي تبدا اليوم.
ولفتت المصادر نفسها الى أن الأمور لا تزال تخضع للبحث وسط ميل لدى الحريري بأن يكون التمثيل في الحكومة الجديدة قريباً من تمثيل حكومة "استعادة الثقة".
الاّ أن مصادر صحيفة "النهار" أشارت الى أن المطالب بالسقوف العالية استمرت على حالها، وليس ما يوحي بقرب تذليلها وولادة الحكومة مع الانشغال الرسمي باستقبال المستشارة الالمانية اليوم، يليه سفر الرئيس نبيه بري في اجازة تمتد قرابة عشرة ايام.
وقد أكّدت مصادر معنية بتأليف الحكومة لـ"الجمهورية" أنّ كلّ كلام عن حسمٍ بالنسبة الى ايّ مِن الحقائب السيادية او الخدماتية، ما هو إلّا افتراضات اعلامية، لم تدخل دائرة البحث الجدّي الذي يُفترض أن يباشر به الرئيس المكلف، خصوصاً أنّ لدى "القوات اللبنانية" مطالبَ محددة، مازالت مصِرّة عليها سواء في ما خصّ الحقائب السيادية او الخدماتية. وكذلك الامر بالنسبة الى حصة النائب السابق وليد جنبلاط الذي أكّدت اوساطه لـ"الجمهورية" انّ للحزب التقدمي الاشتراكي حقَّه الطبيعي في الحصول على حقيبة خدماتية اساسية.
واذ رَفضت مصادر الحريري لـ"الجمهورية" ما يقال عن أجواء تشاؤمية تسود مسارَ التأليف، بل يمكن القول إنّ الامور تجري في مسارها الطبيعي، والحديث عن التشاؤم هو خارج السياق الحكومي تماماً، مؤكدة ان الرئيس المكلف ليس معنياً بأيّ كلام عن أحجام أو توزيع حقائب على هذا الفريق أو ذاك، فهذا الكلام لا اساس له ولا صلة له بأيّ حراك يُجريه على طريق توليدِ الحكومة.
مصادر بارزة في فريق 8 آذار نفت من جهتها، لصحيفة "اللواء" وجود ضغوطات خارجية تحول دون تشكيل الحكومة، وأكدت ان الملف الحكومي أصبح داخلياً بامتياز، وقالت انه رغم التأخير الذي تتحدث عنه كل الأطراف، الا ان التركيبة الحكومية جاهزة، وهي شبيهة بالتركيبة الحالية لجهة توزيع الحقائب الأساسية، كاشفة على توزير مدير مكتب الحريري السابق نادر الحريري من حصة رئيس الجمهورية، على الرغم من ان هذا الأمر يعني ان كل المقاعد السنية في الحكومة ستذهب إلى تيّار "المستقبل"، وهو ما يخالف كلام الرئيس الحريري بأنه يرضى بان يذهب أحد المقاعد السنية إلى حصة رئيس الجمهورية دون غيره، في مقابل الحصول على مقعد مسيحي من حصته.
حلحلة العقد الحكومية
وتوحي مصادر مقربة من الوزير باسيل لصحيفة "اللواء" انه على الرئيس المكلف معالجة 3 نقاط عالقة: الأولى تتعلق باقناع "القوات اللبنانية" بحصة لا تتجاوز أربع حقائب من دون حسم الوزارة السيادية أو نيابة رئيس مجلس الوزراء.
والثانية تتعلق باقناع الحزب الاشتراكي ان إلغاء النائب طلال أرسلان مرفوض، وبالتالي يجب تمثيله في الحكومة، واكتفاء الفريق الجنبلاطي باثنين. وفهم ان الفريق الجنبلاطي لا يوافق على وزير درزي قريب من الطرفين.
والثالثة تتعلق بالتفاهم مع النواب السنة من 8 آذار في الحكومة الجديدة.
القوات والحقيبة السيادية
في هذا الوقت، بدأت ملامح حلحلة للعقدة المسيحية تلوح في الأفق، على وقع الحديث عن امكانية اعطاء القوات اللبنانية حقيبة سيادية، حيث أكدت المصادر لصحيفة "اللواء" أن لا فيتوات على "القوات "تحديداً، ولكن لحصة عادلة لهم تتناسب مع حجمهم، وبالتالي لا مانع بمنح "القوات" حقيبة سيادية شرط منح "التيار" حقيبة أخرى وازنة، لافتاً إلى "ان نيابة رئاسة الحكومة يجب أن تكون من حصة رئيس الجمهورية، ويعود له ان يتنازل عنها كما في المرة السابقة أو لا". وهذا الطرح قد لاقى قبولاً من قبل حزب الله" وحركة "أمل" التي أبلغت موقفها عبر الرئيس نبيه بري الى وزير الاعلام ملحم الرياشي، على" ما أشارت صحيفة "الأخبار"، في حين أكد النائب ابراهيم كنعان أن "التيار الوطني الحرّ" لا يعارض هذا الطرح.
وعلى هامش مشاورات التأليف، وغداة اللقاء الذي جمع "حزب الله" بالنائب طلال أرسلان، عقد، أمس لقاء بين وفيق صفا عن "حزب الله" ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، فيما التقى الوزيران غطاس خوري ويوسف فنيانوس، وتمحورت هذه اللقاءات حول تذليل عدد من العقد، وأبرزها عقدة التمثيل الدرزي، فيما تبلغ الحزب التقدمي الاشتراكي من أوساط معنية بالتأليف، بحسب صحيفة "الأخبار" أن حقيبة الصحة ستكون من نصيب حزب الله، فطالب "الاشتراكيون" في هذه الحالة بنيل حقيبة الزراعة.
القوات: متفاهمون مع التيار الوطني الحرّ
في الموازاة، أكّدت مصادر "القوات" لـ"الجمهورية" حرصَها الشديد على التفاهم بينها وبين "التيار الوطني الحر" وعلى المصالحة وعلى علاقتها مع رئيس الجمهورية"، مشيرةً الى أنّها "عندما تُسجّل ملاحظاتها إنّما تفعل ذلك للتعبير عن رفضها أيَّ محاولة يقوم بها فريق سياسي من اجلِ تحديد أحجام قوى سياسية اخرى من خلال وسائل الإعلام، علماً أنّ هذا الأمر هو بيدِ الرئيس المكلف، وبالنسبة اليها هي تحمل أمانةً في رقابها بعدما فوَّضها الشعب انتخابياً لتمثيل تطلّعاته وتجسيدها داخل الحكومة، وهي حريصة على وزنها".
وأكّدت كذلك حرصَها "على أن يكون النقاش داخل الكواليس مع الرئيس المكلف ومع فخامة الرئيس ومع القوى السياسية"، رافضةً "مناقشة هذا الموضوع في الإعلام" ومؤكّدةً أنه "لا يحقّ لأيّ طرف أن يحدّد حجم الطرف الآخر، فالنقاش يحصل داخل الأروقة السياسية وصولاً إلى تأليف الحكومة في أسرع وقت من أجل مواجهة التحدّيات المستقبلية".
إلى ذلك، علمت "الجمهورية" أنّ تكتل "الجمهورية القوية" يجتمع في الخامسة عصر اليوم في معراب برئاسة الدكتور سمير جعجع الذي سيُطلع اعضاء "التكتل" على نتائج اتّصالاته السياسية مع الرئيس المكلف ومع رئيس الجمهورية والقوى السياسية الأخرى، وعلى مسار الامور وحقيقتها وعلى مكامن الصعوبات، إنْ وُجدت".