على رغم إلحاحية أهمية تشكيل الحكومة في أسرع وقت، وهذا ما توحي به مواقف جميع الأطراف السياسية، التي ترى أن الحاجة إلى قيام سلطة تنفيذية اليوم قبل الغد هي أكثر من ضرورية، لأسباب عدّة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، فإن اللاعب الأساسي فيها لا تزال حركته بطيئة، ولا يزال حتى هذه الساعة يعتبر أن الوقت لم يحن بعد للوصول إلى خط النهاية، ولا يزال يراهن على لحظات الوقت الضائع الأخيرة، مراهنًا على مفاجآت قد تحدث عند مربع الهجمة الأخيرة، قبل إنطلاق صفارة الحكم.
وقد يكون من الجيد متابعة مباريات "المونديال"، التي أدخلت إلى منازل اللبنانيين بعضًا من تغيير في رتابة حياتهم المثقلة بالهموم والمشاكل التي تتراكم يومًا بعد يوم، وهم يجدون في حماسة هذه المتابعة ما يرّوح عن أنفسهم، مع إشتداد المراهنة على فريقين أو أكثر، ويأتي الفريقان البرازيلي والالماني في طليعة الفرق التي تلقى لدى اللبنانيين حماسة منقطعة النظير، بعدما خاب أملهم بخروج مصر من حلبة المنافسة، وهي مناسبة قد تكون من بين الاسباب التخفيفية التي تعطى للمتعاطين بالتشكيلة الحكومية وفكفكة عقدها، الآخذة في الحلحلة بعد الإيحاء بأن ثمة مناخًا إيجابيًا نسبيًا على خط الإتصالات القائمة على الساحة المسيحية، بعد اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بوزير الإعلام ملحم الرياشي، الذي سمع كلامًا مطمئنًا بالنسبة إلى العلاقة بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، وهو الذي أكد حرصه على أن تبقى هذه العلاقة أكثر من وطيدة. وهذا ما نصح به الوزير جبران باسيل، وقد أنعكس ذلك في الموقف الذي أعلنه النائب ابراهيم كنعان على أثر اللقاء الأسبوعي لتكتل "لبنان القوي"، الذي حاول خفض سقف المواقف الحادّة التي كانت سائدة قبل لقاء بعبدا.
وفي رأي أوساط متابعة، وهي على صلة دائمة مع الطرفين المسيحيين، أن من أستطاع أن يرسي مصالحة أجمع الجميع على وصفها بـ"التاريخية" لن تعصى عليه حل العقد التمثيلية في الحكومة، خصوصًا أن "القوات" تعتبر أنها من حصّة رئيس الجمهورية، وهي التي وقفت بقوة إلى جانبه لإيصاله إلى بعبدا، ولا تزال تراهن على نجاح عهده.
ووفق أجواء معراب أن ما كان يُسمى بعقدة مسيحية لم تعد قائمة بالمعنى الحصري للكلمة، أقله بالنسبة إلى الحصّة الوزارية التي تطالب بها، على أن تُرّحل تفاصيل توزيع الحقائب إلى مرحلة لاحقة، بعد فكفكة ما يُسمّى بالعقدتين الدرزية والسنية، بمعنى آخر أن الكرة أصبحت الآن في ملعب الرئيس المكلف.
وآخر المعلومات أن "التيار الوطني" لا يعارض أن تسند إلى "القوات" حقيبة سيادية، مع العلم أن الحقائب السيادية أصبحت موضبة بالشكل الذي كان عليه الوضع في حكومة "إستعادة الثقة"، إلاّ إذا قرر الرئيس عون التنازل عن حقيبة وزارة الدفاع لصالح "القوات"، وهذا ما لا يقبل به "حزب الله".
وفي المؤشرات غير المعلنة إن نيابة رئاسة الحكومة آيلة إلى "القوات" مع ضمان حصولها على وزارة خدماتية وازنة، وإن كانت عينها لا تزال على حقيبة الطاقة، وهذا ما لا يقبل به باسيل.
وفي إنتظار التصفيات النصف نهائية في مباريات "المونديال"، وفي إنتظار معرفة من سيتأهل إلى التصفيات النهائية، يبقى الهمّ الأساسي لدى اللبنانيين أن يروا الدخان الأبيض يتصاعد من مدخنة بعبدا، بعد إستراحة عطلة عيد الفطر، وبعد أن يزّخم الرئيس الحريري حركة إتصالاته، قبل سفر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إيطاليا، أقله بالنسبة إلى تجميع خيوط اللعبة، التي يبدو أن لـ"الإستاذ" دورًا محوريًا فيها، وبالأخصّ من خلال تواصله مع رئيس "اللقاء الديمقراطي" وليد جنبلاط، لحلحلة ما يمكن حلحلته، بحيث تبصر الحكومة النور فور عودة رئيس السلطة التشريعية من الخارج.