أقرّ المجلس النيابي في كانون الثاني عام 2017 قانون "حق الوصول إلى المعلومات" بعد مرور ثماني سنوات على تقديمه، وفضلاً عن أهميته في إتاحة المعلومات للمواطن، يعتبر القانون وسيلة من وسائل الوقاية من الفساد، كونه ينصّ بشكل صريح على أنّ الوصول الى المُستندات الإدارية يتمّ مجاناً في مكان وجودها، وبالتالي يشكّل أداة بيد المواطنين والصحفيين والقضاء لمكافحة الفساد ويرفع من مستوى الشفافية في الإدارة.
ولكنّ الدولة اللبنانية وبدل أن تعمد إلى تطبيق القانون المذكور، من خلال إلزام إداراتها وموظفيها بتسهيل وصول المواطنين إلى المعلومات، وتطوير مواقعها الإلكترونية لنشر المستندات والوثائق، عمدت إلى الإلتفاف على القانون، من خلال إلغاء مجانية الجريدة الرسمية الإلكترونية، وفرض بدل اشتراك سنوي تخطّى قيمة النسخة الورقية وبلغ 550 ألف ليرة لبنانية.
منذ عام 2005 كانت الجريدة الرسمية مُتاحة للجميع بشكل مجاني، فيما كانت كلفة الاشتراك السنوي في النسخة الورقية 240 ألف ليرة لبنانية. والمفارقة أنّ الدولة عمدت إلى إلغاء مجانية الإطلاع إلكترونياً على المعلومات الإدارية والقوانين التي تنشر في الجريدة الرسمية، بعد صدور قانون حق الوصول إلى المعلومات الرسمية. فإلى أي حدّ تضرب هذه الخطوة روحية القانون؟ لا سيّما أنّ الطعن بأي مرسوم يتم بناءً على تاريخ نشره في الجريدة.
النائب السابق غسان مخيبر لفت في حديث لـ"لبنان 24" إلى أنّ قانون حق الوصول إلى المعلومات جعل نشر كل المستندات الإدارية الإلزامية على الشبكات الإلكترونية الخاصة بالإدارة مجاناً، ومجانية نشر المعلومات تفترض أن تكون المعلومة التي تنتجها الإدارة بدورها مجانية. وعلى الدولة أن تتحمل كلفة هذه الأداة الإلكترونية.
مخيبر اعترض على جعل الجريدة الرسمية الالكترونية ببدل مادي "النسخة الورقية تستوجب كلفة مالية للطباعة والبريد والنقل، في حين أنّ النسخة الإلكترونية لا تستلزم تكلفة مالية سوى تلك المرتبطة بتطوير الموقع الإلكتروني ونشر المواد، ومع ذلك قيمة الإشتراك بالنسخة الإلكترونية تخطّى تلك الورقية بكثير. هذه الكلفة يجب أن تتحمّلها الدولة، كون فرضية قانون "حق الوصول إلى المعلومات" أنّه معلوم من الناس، وهذه الفرضية لا تتحقق سوى بأدوات فعّالة، وفي عالمنا الإلكتروني هذه الأدوات هي الوثائق الإلكترونية، والقانون يلزم أن تكون الجريدة الرسمية مجانية وتصل إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين، لأنّ هدف العلنية هو حسن تطبيق القانون ومعرفة المواطنين للمعلومات المتعلقة بواجباتهم وحقوقهم".
ومن المفارقات العجائبية لسلطة تسنّ القوانين من جهة وتعمل على تفريغها من محتواها من جهة أخرى، أنّ الدولة تبيع المواطن معلومات تعنى بتنظيم علاقته بأجهزة الدولة والمجتمع، وهكذا تلتف السلطة على قانون وجد فيه الحقوقيون باباً للإصلاح والشفافية، فإذا بالعبقرية السلطوية تحول المعلومة إلى احتكار معرفي بيد طبقة محصورة من الأفراد والشركات.