تبخر التفاؤل الذي ساد أجواء تشكيل الحكومة في اليومين الماضيين، على وقع استمرار المراوحة وتمسّك كل طرف بما يراه حصته في الحكومة المقبلة. وأكدت مصادر مواكبة لعملية التشكيل لصحيفة الشرق الأوسط، أنه رغم كل التعقيدات وتمسك كل فريق بمطالبه فإن "الطبخة الحكومية لا تزال على نار حامية، وهي إما تنضج خلال أيام أو تحترق".
لقاء الحريري – جعجع
وشكّل اللقاء الذي عقد بين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الخطوة الوحيدة التي جرت أمس في مسعى تذليل العقبات أمام عملية التأليف.
وأشارت صحيفة الأخبار الى ان الرئيس الحريري أكد لحليفه سمير جعجع، إن أزمة اقتصادية كبرى مقبلة على البلاد، وإنه سيؤلّف الحكومة قريباً، لمواجهتها، ما اعتبرته الصحيفة أمراً خطيراً وجديداً.
وفي ما يتعلّق بالحقائب، لم تستبعد مصادر مطلعة لـ"اللواء" ان يكون عرض الحقائب الأربع "للقوات" قد طرح أمس، خلال الزيارة وان يكون طرح للرئيس المكلف أسماء الوزراء الذين يقترحهم لهذه الحقائب، وهم بحسب بعض المعلومات، كلاً من: غسّان حاصباني، ملحم رياشي، انطوان زهرا ومي شدياق.
وبحسب مصادر قواتية، لـ"الأخبار" فإن جعجع مستعد لتسهيل التأليف، لكنه لن يتنازل عن الوزارة السيادية أو منصب نائب رئيس الحكومة، ومن هنا لفتت مصادر متابعة الى أن موقف القوات اللبنانية بات أقل تشدداً من ذي قبل، فهي لم تعد تطالب بحقيبة سيادية، بل بأربع حقائب حصراً، بينها حقيبة أساسية ومنصب نائب رئيس الحكومة.
وفي هذا الاطار، لفتت صحيفة "النهار" الى أن "حزب الله" لم يبدِ أي اعتراض علني على تسلّم وزراء "القوات" حقيبة سياديّة أو خدماتيّة مُهمّة كما لم يتحدّث في الحصص والأحجام.
الاتصالات مستمرة
في هذا الوقت، لا تزال الاتصالات مستمرة في سبيل تدوير الزوايا وتخفيف وطأة بعض الظواهر السلبية "التي باتت تلعب دوراً سيئاً في عرقلة التأليف مثل استباق دور الرئيس المكلف والتحدث من زوايا فوقية تظهر الدولة كأنها ملك فريق" على حدّ تعبير أوساط متابعة لعملية التأليف لـ"النهار"، لافتةً الى ان عملية التأليف اصطدمت بواقع متصلب أثار الخوف من اتجاهات الى السيطرة على القرار الحكومي من خلال الحصول على الثلث المعطل لفريق رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر" وحده، فكيف حين يضاف اليه حلفاؤه في قوى 8 آذار ؟
وأوضح المتابعون لمسار التراجع السلبي الذي طبع اتصالات الساعات الاخيرة، ان التجاذب هو في الحقيقة على تأمين التوازن في الحكومة كما في البلد ومؤسساته بشكل عام، وعدم قبول الحريري باستبعاد مكوّن نيابي أساسي كـ"القوات اللبنانية"، إضافة الى ان الرئيس المكلّف متفهّم أيضاً مطلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن يكون التمثيل الدرزي من حصته، لذلك يرى ان هذه العقدة قابلة للحلّ بحوار يجب ان يقوم بين رئيس الجمهورية ووليد جنبلاط.
وفي هذا الاطار، قالت مصادر الرئيس المكلف لـ"الجمهورية" انه لن يستسلم للسلبية، وسيستمر في الدفع نحو تشكيل الحكومة في أقرب وقت ممكن. وافادت معلومات بأنّ الحريري يجري مشاورات هادئة في كل الاتجاهات، خصوصاً مع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، وكذلك مع مستويات سياسية وحزبية، في حين وضعت مصادر "اللواء" كل ما يجري في اطار احراج الرئيس الحريري لاخراجه، داعية اياه الى الصمود في وجه كل ما يحاك ضده.
المصادر المواكبة لعملية التأليف أكدت لـ"اللواء" ان الاتصالات لا تزال مستمرة لتدوير الزوايا، وتخفيف المطالب باتجاه تنازلات متبادلة، وهي تعتقد ان الأمور ليست مجمدة، وان هناك اتصالات تجري على أكثر من خط لتذليل العقبات بغية الوصول لحل وسط، وفق قاعدة "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم"، مشيرة إلى ان كل الجهات أبدت رغبة بالحلحلة، وهناك عملية أخذ ورد حول أفكار مطروحة يمكن ان تتبلور في الساعات القليلة المقبلة إذا صدقت فعلاً نيات الحل.
وحول سفر الرئيس بري وبالتالي تأخير تشكيل الحكومة، أبدت مصادر عين التينة استعداد الرئيس برّي للعودة إلى لبنان في حال تمّ التوافق على تشكيل الحكومة، للمشاركة في التقاط الصورة التقليدية الرسمية للحكومة.
بعبدا على خطّ الاتصالات
الى ذلك، قالت مصادر مواكبة لاتصالات رئيس الجمهورية لـ"الجمهورية": المناقشات تتركّز على إقناع "القوات اللبنانية" بتولي 4 حقائب، من دون ان يكون من بينها نائب رئيس الحكومة، وإقناع النائب السابق وليد جنبلاط بالتنازل عن تسمية الوزير الدرزي الثالث، على ان يُصار الى التفاهم بشأن تحديد هويته.
ورفض زوّار الرئيس عون عبر الـ"اللواء" الدخول في توقع ان يقوم جعجع بزيارة قصر بعبدا، لكنهم لاحظوا ان عودة موفد "القوات" الوزير رياشي إلى زيارة القصر يمكن ان تكون مؤشراً لعودة التواصل مجدداً بين الجانبين.
وحرص هؤلاء الزوار، على نفي ان يكون الرئيس عون يقف وراء رفض مطالب "القوات" أو "الاشتراكي" واعادوا التذكير بأن رئيس الجمهورية رفع منذ اليوم الأوّل شعار ضرورة ان يتمثل أكبر عدد من الكتل في الحكومة وفق النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية مؤخراً، مؤكدين ان العقدة ليست عند الرئيس، لكن هؤلاء سألوا عن سبب إصرار "القوات" على منصب نيابة رئاسة الحكومة مع الوزارات الأربع، وبينها حقيبة سيادية.
الوطني الحرّ: يمكن التأليف من دون القوات
في المقابل، أكدت مصادر رفيعة المستوى في التيار الوطني الحر لـ"الأخبار" أن حصة القوات هي 3 وزراء حصراً، لا تتضمن وزارة سيادية ولا منصب نائب رئيس الحكومة. وتلفت إلى أن التيار يعارض حصول القوات على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، فيما الفيتو على "السيادية" يأتي من قوى أخرى. وتضيف المصادر أن حصة الاشتراكي هي وزيران، لا أكثر، بحسب طريقة التوزيع المعتمدة، و"إذا أراد احد ما أن يرفع حصتيهما، فليمنحهما مقاعد من حصته". هل هذا الكلام يعني أن الحكومة لن تبصر النور، ربطاً بمطالب القوات؟ تجيب المصادر نفسها: "هذا ليس ضرورياً. يمكن تأليف الحكومة بلا القوات، إلا إذا منحها الرئيس المكلف مقعداً من حصته".
ونبهت مصادر نيابية في "التيار" عبر "الشرق الأوسط" من "محاولة لتحميل الرئيس عون ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة"، لافتة إلى أن "هناك من يحاول الضغط علينا للرضوخ لشروطه مستفيدا من استعجالنا عملية التشكيل نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وإصرارنا على وجوب أن تنطلق حكومة العهد الأولى، كما يسميها الرئيس عون، سريعا بعملها". وقالت المصادر: "لسنا بصدد التنازل عن حقوقنا والرضوخ لفرض البعض قواعد جديدة للتشكيل يسعون ليبنوا عليها في عملية تشكيل الحكومات المقبلة. فإذا كان الرئيس عون قد تنازل في حكومة تصريف الأعمال الحالية عن منصب نائب رئيس الحكومة لتسهيل التشكيل في حينها، فذلك لا يعني أنه ارتضى التنازل عن حق رئيس الجمهورية بأن يسمي شخصيا شخصية تتولى هذا الموقع".
وقال زوّار عون لـ"اللواء": ان التقليد نص على ان يكون نائب رئيس الحكومة من حصة رئيس الجمهورية، الاّ أن أوساط رئيس الحكومة المكلف، أوضحت من جهتها ان تسمية نائب رئيس مجلس الوزراء غير مرتبط لا بالدستور ولا بالعرف بأي جهة سياسية أو طرف محدد، وإنما هو رهن بميزان التوافقات على خارطة توزيع الحصص الحكومية، والبت به يعود إلى رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، في حين ان العرف الوحيد المعترف به والمتعارف عليه، فهو المرتبط حصراً بالحقائب السيادية الأربع، وما عدا ذلك من وزارات لا يمكن زجه باعراف طائفية أو مذهبية لا تمت إلى التاريخ والحاضر بصلة.
ولفتت هذه الأوساط إلى ان طرح موقع نيابة رئاسة الحكومة، هو لتقويض المساعي التي يبذلها الرئيس المكلف للتوفيق بين المكونات الحكومية، مثلها مثل محاولات استنساخ ما وصفته بالمعادلات الخشبية كالثلث المعطل الذي أثبت انه أداة تعطيلية لمصالح المواطنين واحتياطاتهم.
الحقائب المحسومة
ويلفت متابعون لمشاورات التأليف إلى أن تقسيم الحقائب السيادية بات محسوماً: المالية لحركة أمل، الداخلية للمستقبل، الخارجية للتيار الوطني الحر، والدفاع لرئيس الجمهورية. أما الحقائب الست الأساسية، فعلى الأرجح أن سترسوا على الآتي: "الأشغال" للمردة، "الصحة" لحزب الله، "الاتصالات" لـ"المستقبل"، الطاقة للتيار الوطني الحر. أما التربية والعدل، فستكون إحداهما من حصة القوات والثانية من حصة "الاشتراكي".