لا يخفى ترقب المعنيين لما ستحمله الأيام المقبلة بعد عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من اجازته الشخصية، من طلائع لبلورة مواقف القوى السياسية تجاه التأليف الحكومي، فمخاطر التأخير لن يكون أي فريق بمنأى عن تداعياتها. في بعبدا اندفاعة قوية نحو التأليف. اندفاعة تتوقف هنا وهناك لبرهات من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية انطلاقا مما افرزته نتائج الانتخابات. مصادر وزارية مقربة من العهد تؤكد لـ"لبنان24" أن اجتماع الرئيس الحريري مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان إيجابيا للغاية، على ما صرح الحريري صحيح. والمراكمة لهذه الإيجابية تمت صباح أمس بواسطة وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال غطاس خوري الذي زار بعبدا موفدا من الرئيس المكلف ليعطي الانطباع الدقيق أن محركات التأليف لم تتوقف، فهو وضع الرئيس عون في نتائج مروحة الاتصالات التي قام بها الشيخ سعد. وبالتوازي مع ذلك، جاءت إطلالة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله عصر الجمعة عبر قناة "المنار"، لتؤكد رغبة حارة حريك الجدية بضرورة تأليف حكومة جامعة بسرعة، مع الاخذ بعين الاعتبار أهمية ان يستند تمثيل الفرقاء السياسيين والأحزاب إلى وحدة معايير من شأنها ان تدفع القوى إلى الهدوء والعقلنة في مطالبها، وبالتالي الوصول في نهاية المطاف إلى تأليف حكومة متناسقة ومتجانسة، لا سيما أن عدوى تضخيم المطالب قد تنتقل إلى قوى أخرى ارتضت ان يكون لديها ما لديها، ما من شأنه أن يعرقل التأليف ويذهب بالبلد إلى المجهول، فالمعيار المتداول ضمن حملة التضخيم، قد يدفع "حزب الله" وحركة "أمل" إلى المطالبة باكثر من 6 وزراء لأن حجمهما النيابي يعادل 30 نائبا. وبينما ساد توتر شديد وقصف عنيف جبهة العلاقات القواتية – العونية، أطل رئيس حزب "القوات" سمير جعجع أول أمس خلال احتفال تسليم بطاقات الإنتساب لـ2650 منتسبا قواتيا جديدا، في معراب، ليجدد تمسكه بتفاهم معراب، قائلا نحن مع "اوعا خيّك" وللآخر ولكنّنا أيضا مع "اوعا سيادة الدولة"، و"اوعا مصالح الناس"، و"اوعا الهدر" و"اوعا الفساد" و"أوعا لقمة عيش الفقراء". لا يعتبر العونيون كلام الحكيم موجها لهم، بيد أنهم في الوقت نفسه يرون أنه، يعني في مكان ما، الحرص على أهداف "التيار الوطني الحر" وبرنامجه وخطاب قسم الرئيس عون ونهجه في محاربة الفساد، مع تشديد المصادر الوزارية نفسها، أن لا إشكال بين رئيس الجمهورية وحزب "القوات" من منطلق أن اعلان النيات هو تفاهم بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" وأن العماد عون أصبح رئيسا، ولم يعد طرفا في التفاهم . وفي ضوء هذه الضبابية، فإن الثابت بحسب المصادر الوزارية، أن العقدة الدرزية ستجد طريقها إلى الحل عندما يحين الوقت بضمانة ومقاربة ثلاثية، أطرافها يدورون في خانة "حزب الله" ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط والوزير جبران باسيل. وعليه، يمكن القول إن هناك قرارا رسمياً لبنانيا بضرورة التعجيل في التأليف مواكبة للتطورات الاقليمية والدولية ودرءا للاخطار الاقتصادية ولعل أبرزها: 1- لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، في 16 تموز المقبل والذي من الممكن أن يستفاد منه لبنانيا، بناء على ما صرح به ترامب ان اجتماعه والقيصر سيتناول الوضع السوري برمته انطلاقا من طرح أعده البيت الأبيض يقوم على إستعادة الحكومة السورية السيطرة على الجنوب الغربي والمناطق المحاذية للأردن مقابل انسحاب آمن للمعارضة المسلحة وانسحاب أميركي في اسرع وقت ممكن بالتوازي ايضا مع ضرورة خروج القوات الإيرانية. وعليه، لا يمكن تفسير ما يحصل في الجنوب الغربي الا أن النظام باق، فالقوات السورية النظامية، انتشرت على مشارف هضبة الجولان، وهذا دليل قاطع على ان الاتجاه في سوريا نحو اعتماد حل متكامل للاطراف. وبالتالي فإن ما تقدم يفترض أن يواكب لبنانيا لاعتبارات تتعلق بالنزوح والأمن على الحدود، لاسيما أيضا أن الامال معقودة على إعادة إعمار سوريا ومردود ذلك على الاقتصاد اللبناني وهذا من شأنه ان يعجل في تأليف الحكومة أكثر وأكثر. 2- الاتفاق الدولي على استمرار ما يسمى المظلة الامنية على لبنان. وتمظهر ذلك في حرص الموفدين الغربيين خلال زياراتهم لبنان، على حماية الاستقرار. وهذا يعني أن الحرص الامني يجب ان يواكب بحرص سياسي على تأليف الحكومة، فالترابط وثيق بين الامن والسياسة. 3- الوضع الاقتصادي المهتز، وعلى رغم تطمينات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن الوضع المالي ليس بهذه الخطورة، لكنه قد يصبح كذلك. فمراكمة العقد السياسي قد تقف عثرة امام التشكيل، الأمر الذي سيعيق معالجة القضايا الاقتصادية، وقد يجمد ما خرجت عنه مؤتمرات الدعم. من مجمل هذه المشهدية، تقول مصادر وزارية مقربة من العهد، إنه فور عودة الحريري سيكون هناك إشارات للمرة الاولى عن امكانيات حقيقية لولادة الحكومة سريعا.