واصلت المديرية العامة للأمن العام تأمين العودة الطوعية للنازحين السوريين إلى بلداتهم في سوريا، وآخرهم مجموعة من اثنين وأربعين نازحاً فقط. الدفعة الأخيرة انطلقت من المصنع وقبلها من عرسال وقبل ذلك من شبعا، ويبقى نحو مليون ونصف!
في المعلومات المتداولة أن 3 آلاف نازح سجلوا أسماءهم على قوائم طالبي العودة الطوعية، وبعد ثلاثة أشهر تمت الموافقة على 300 اسم، ووفق هذا المعدل يحتاج من هم موجودون في لبنان إلى 1000 شهر، هذا إذا قدّرنا عددهم مليوناً فقط من جهة، ومن جهة أخرى إذا وافق النظام في سوريا – وأغلب الظن أنه يمانع - على عودتهم جميعاً.
وفي كل الأحوال، العودة الرمزية والخجولة لعدد محدود جدا من النازحين الى قراهم سواء في ريف دمشق أو جبل الشيخ أو أي منطقة في الداخل السوري، وإن كانت صغيرة ولا تؤثر كثيراً في أعداد السوريين المقيمين في لبنان، هي أمر مهم ويمكن البناء عليه لصياغة خطة وطنية، واقعية وفاعلة للتعاطي مع هذا الملف الشائك، خلافاً للخطاب الشعبوي والممارسات العشوائية التي طبعت التعاطي معه لفترات طويلة. ثم إن مواكبة الأمن العام تؤكد حق الدولة في رعاية هذه العودة من خلال التنسيق مع الجانب السوري.
وكان الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله كشف قبل أيام توجها للتواصل مع النازحين مباشرة لتحديد آلية لاستقبال طلباتهم وتشكيل لوائح لعرضها على الجانب السوري تمهيداً لإعادتهم، مرتكزاً إلى "طبيعة علاقاتنا الجيدة والمتينة مع الدولة السورية". وإذا كان هناك من يرى في موقف الحزب تحركاً من دون تكليف، فإن هناك من يرى، بحسب ما نقلت الصحف اليوم، أن الموقف "لم يأتِ مِن عدم أو فراغ، بل جاء بعدما بلغ هذا الملف حدّاً غيرَ مقبول، وبعد الرسائل القاسية التي وصلت من الجانب السوري إلى الجانب اللبناني عبر قنوات خاصة، والاستياء من طريقة التعاطي اللبناني مع هذا الملف وإدخاله في المعمعة وبازار السياسة وتكرار سماعِ معزوفة التواصل مع الحكومة السورية أم عدمه، والمماطلة وعدم الوضوح خلال كلّ الفترة السابقة حيث حاولت الحكومة السورية مراراً وتكراراً التواصلَ مع المعنيين في لبنان عبر قنوات خاصة وبعيداً من الإعلام مراعاةً لحساسية الوضع والانقسام السائد حول هذا الملف. لكنْ تبيَّن عدم جدّية التعاطي اللبناني مع هذا الملف ودخوله في حسابات داخلية واستعماله دائماً كورقة ضغطٍ في تعاطي القوى السياسية مع بعضها البعض وحتى مع الخارج". وهو أمر لا يضرّ، بل يصب في صميم المصلحة الوطنية، ويقطع الطريق على المتاجرين بهذا الملف إذ لا يخفى أن الكلام عن "عدم الجدية" فيه الكثير من الدقة، فالدولة اللبنانية ورغم مرور نحو 8 سنوات على الحرب السورية وبالرغم من تداعياتها الكبيرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وبيئياً وأمنياً، وفي مقدم كل ذلك ملف النزوح، لم تجترج سياسة عامة موحدة للتعامل معه! الأمر الذي ترك الباب مشرعاً للاستغلال من كل الأطراف، ولكل حجته في ما يذهب إليه.
الواقع أنه لا يمكن لطرف الادعاء بأن حلّ هذا الملف بسيط، كما تروّج بعض الأطراف السياسية، لكنه أيضا ليس ملفاً يُحسم بالكلام الشعبوي والارتجالي، أو الخطاب الإعلامي التبسيطي لدرجة السذاجة أو التهويلي لدرجة العنصرية. العودة ليست فعلا قمعياً مخالفاً للقوانين الإنسانية والدولية لكنها ليست دعوة للتنزه، وهناك ضرورة لتبديد أوهام زرعت في أذهان أعداد هائلة من النازحين عن بدلات مالية ضخمة ستدفع من قبل المجتمع الدولي مقابل العودة، ومنهم من ينتظر فرصة للهجرة.. وكل ذلك يحتاج تواصلاً مباشراً مع النازحين لاقناعهم بعدم جدوى الانتظار، وإمكانية العودة، خصوصاً في ظل الحديث عن مصالحات برعاية سورية، وفِي كل مفاصل الحل المنشود للمجتمع الدولي ومؤسساته وللدولة اللبنانية دور محوري في مواكبة إنجاز هذا الملف.
اشتاق اللبنانيون لانجاز.. أيّ إنجاز. الضيق الكبير الذي يخيم على كل مفاصل المشهد العام يتطلب خرقاً ولو بسيطاً. لا حكومة، لا أمل ولا أفق، لا رؤية لحلول للتحديات الضاغطة في المدى المنظور. ليس أقل من أن يجري تخفيف أعباء ملف النزوح، وقطع الطريق على المافيات التي تتاجر بمآسيهم وانسداد الأفق أمام حل دولي لقضيتهم. وبعدها لكل حادث حديث.