تحت عنوان عبد المجيد الرافعي.. بذورك ستنبت سنابل ولو بعد حين، كتب الدكتور خلدون الشريف: سنة مضت، كأنها يوم او بضع يوم، ولكن، في الأفق ثمة منارة انطفأت، وصمام أمان قد نزع، وبسمة قد خفتت، وبلسمةٌ قد إختفت:
منارةٌ كانت تشع نورًا على الدوام وتضيء الطريق الى الحق، الطريق الى العدالة، الطريق الى الخبز والحرية.
صمامُ أمان القيم والمبادئ التي تصون أمة وتعيدها خيرُ أمة أخرجت للناس، ذات إسهامات في الحياة البشرية كلها.
بسمة تردُ الروح لكل خائفٍ وبلسمةٌ لجرحٍ ومرضٍ في زمن استحال فيه معظم الطب على نجاحه وتطوره مداواة للجراح والأمراض دون التعاطي مع الروح ودون أنسنة العلاج.
في زمن الحداثة المتوحشة، نفتقد التبشير للعدالة وتوزيع الثروات، وفي زمن البلطجة الكونية، نفتقد لروح المقاومة الخلاقة والمواجهة الرشيدة، وفي زمن صفقة القرن المذلة، نفتقد لمن ربط بين تحرير فلسطين من براثن الصهيونية واصطلاح حال أمة من المحيط الى الخليج ومن النهر الى البحر.
في زمن التخلي عن قضايا الناس، نفتقد لساسة وضعوا مصالح الناس قبل مصالحهم ودفعوا الأثمان غالية سجنًا او تهجيرًا او إقصاءاً. نفتقد القامات التي قبضت على مبادئها وما تخلت، وظلت تبث التفاؤل في وقت عز فيه التفاؤل، كرست عشق الأرض حتى لو كانت ملتهبة، وألحّت على حمل قضايا الناس ولو أرهقها عمرٌ او أعياها مرض.
انا لا أرثي اليوم رجلًا عبر مع العابرين وكفى، بل رجلٌ لخص في مراحل حياته، مسيرة أمة أرادت أن تنهض فما استطاعت الى اليوم، شهد محاولات الإستنهاض وبشر لها وعمل عليها، واجهته الصعاب والمؤامرات والحروب والإغتيالات جسدية كانت او فكرية وظل واقفًا شامخًا يبشر بفجر لا بد أن ينقشع.
عبدالمجيد الطيب الرافعي، يا حكيم الفقراء والعقلاء والوطنية، يا من أحب مدينته واهلها، وأحب وطنه لبنان حتى تحولت منازله في طرابلس وبيروت وبغداد وباريس مقاصد لكل لبناني، يا من حفظت النصاعة للمبادئ في زمن التبعيات والإرتهان والردة يا من تمسكت بكل حبة من تراب فلسطين وبوحدة لبنان وبضرورة تلاقي الأمة العربية الواحدة لغة وثقافة وتاريخ ومصالح، العقود التي تمضي ومضة في صناعة التاريخ، وبالبذور التي غرست، سنابل ستنمو ولو بعد حين..