كتب جوني منير في صحيفة "الجمهورية" يسود اعتقادٌ لدى كثيرين أنّ الاشتباك السياسي الذي وصل الى ذروته بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" والذي أدّى الى كشف اتفاق معراب بنسخته الاصلية ثم تمزيقه ورميه في سلة مهملات التاريخ، سيؤدّي الى تعقيد المشاورات الدائرة لتأليف الحكومة، ذلك أنّ العقد التي كانت تحول دون ولادة الحكومة تتطلب مفاوضات في أجواء ملائمة لانتزاع تنازل من هنا وتدوير زوايا من هناك.
عمد رئيس الجمهورية الى فتح ابواب مكتبه على التوالي امام رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع والزعيم الدرزي وليد جنبلاط بهدف تثبيت هدنة سياسية تؤدي الى ترسيخ مناخ ايجابي يتيح لمفاوضات مثمرة، لكن بعد ساعات انهار كل شيء واشتعلت المواجهات على حريق اوراق اتفاق معراب.
وانطلاقاً من المواجهات السياسية الضارية التي حصلت يرجح العديد من القوى السياسية أن تطول مرحلة تشكيل الحكومة. ذلك أنّ المطلوب الآن هو العمل على اعادة تثبيت الهدنة السياسية والتي سيعمل عليها الرئيس سعد الحريري بعد عودته من اجازته العائلية والانطلاق بعد ذلك لفتح ابواب المفاوضات.
لكنّ فريقاً آخر محسوباً على رئاسة الجمهورية لا يبدو متشائماً الى هذا الحدّ، لا بل يعتقد أنّ النزاع الحاصل أدّى الى اتّضاح الرؤيا والحدود السياسية لكل الاطراف ما يجعل المفاوضات اوضح واسرع واكثر قابلية للخروج بنتائج عملية.
وفي الاطار عينه يقول مصدر رفيع في "التيار الوطني الحر": "اتّفاق معراب اصبح من الماضي ولا عودة اليه. يمكننا التفاعل مع القوات داخل حكومة واحدة ووفق معايير واضحة، وربما فتح الابواب امام صياغة اتّفاق جديد اكثر وضوحاً والتزاماً".
والفريق المتفائل لا يبني حساباته على التمنيات فقط بل على معطيات تسمح له بذلك ولو جزئياً. فالعقدة الحكومية المسيحية كانت قد حُلّت بنسبة كبيرة، وعلى قاعدة اربعة وزراء لـ"القوات" لا تلحظ أيّ حقيبة سيادية ولا نيابة رئاسة الحكومة، بل حقيبة اساسية هي العدل ووزارة دولة اضافة الى حقيبتين عاديّتين.
لكنّ "القوات" وعلى رغم أنها أوحت بعدم اعتراضها على هذا السقف في نهاية الامر حاولت تحسين حصتها لناحيتين:
الاولى، حصولها على حقيبة اساسية ثانية الى جانب العدل عملاً بمبدأ التعويض عليها لخسارتها حقيبة سيادية، وهذا ما يرفضه "التيار الوطني الحر" على اساس أنّ حصة الفريق المسيحي ثلاث حقائب اساسية من اصل ستة وهو ما يعني عدم جواز منح القوات حقيبتين اساسيتين.
الثانية، حصولها على حقيبة رابعة بدل وزارة الدولة، وهو ما يرفضه الوزير جبران باسيل على اساس انه في هذه الحالة سيكون نصيب "التيار" ثلاث وزارات دولة نظراً لأنّ تيار "المردة" والممثل بمقعد وزاري واحد سيحظى بحقيبة.
وخلال الايام الماضية حاول البعض إقحامَ عواصم كبرى (واشنطن وباريس) في المساعدة لإنجاز ولادة الحكومة. وجاءت هذه المحاولة استناداً للمهام المطلوبة من الحكومة والتي لحظتها التفاهمات غير المعلنة لمؤتمر "سيدر"، لناحية توصيات البنك الدولي بإجراء إصلاحات جذرية وسريعة وتطهير الفساد والفاسدين، واتّخاذ قرارات تؤمّن رفع مدخول الدولة من خلال رفع الرسوم على الكهرباء والمحروقات ورفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة.
لكن العواصم الغربية رفضت التجاوب لأنها أولاً تدرك أنّ هامش "الدلع" اللبناني محكوم بخطر الانهيار المالي وإعلان إفلاس الدولة اللبنانية وهو خطر اصبح داخل الدار اللبنانية، وثانياً لأنها لا تريد إلزامَ نفسها بـ"حمايات" للحكومة أو ضمانات من جانبها.
فالعواصم الغربية تدرك أنّ أمام هذه الحكومة ملفّين لهما حساسية عالية واحد يتعلق بإعادة النازحين السوريين وثانٍ يتعلق بتواصل وتنسيق حكومي مباشر لبناني – سوري وزيارات خصوصاً مع إمساك الجيش السوري للمعبر البري مع الأردن وهو الذي يعيد فتح باب التصدير البري للمنتوجات اللبنانية وبالتالي ينعش اقتصاداً "مترنّحاً"، ولكن مقابل ثمن سياسي تطلبه دمشق ولا يتوافق ربما مع التوقيت الإقليمي للساعة الاميركية.
(الجمهورية)