كدت لا أُصدّق أنّ هذا الشاب العشريني الأنيق الذي جحظ نظري الى هندامه المرتب ولحيته المخطّطة، يقبع في سجنه المظلم منذ ثمانية أشهر. لم أستطع أن أتخيّله إلّا وراء مقاعد الدراسة الجامعية وبين يديه حاسوبه المحمول.
سرعان ما أعادني الى اليقظة صوت رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبدالله حين نادى على اسمه. اقترب "ع.هـ" من المنصّة، ويبدو جليّاً أنّ الشاب المتهم بـ "التواصل مع العدو ومحاولة تجنيد أشخاص لصالحه" غير قادر عن الكلام من شدّة الخوف، يفرك أصابعه بعضها بعضا من وراء ظهره وينتظر شهادة "رفيق المدرسة". فالمتهم الذي لم يتخطّ الثانية والعشرين من عمره قال ما عنده في جلسة سابقة، وجاء اليوم دور صديقه الذي "أخبر عنه".
يطلب العميد إدخال الشاهد الصديق الى قاعة المحكمة. يقترب "ر.هـ" ليؤكّد ردّاً على أسئلة عبدالله أنّ المتهم كان صديقه في المدرسة لكن ليس في الصفّ نفسه وهو قريبه من ناحية الجدّ، وقد أخبره يوماً أنّه كان يتواصل مع أستاذ في كندا من أجل أن يسافر ويتابع دراسته هناك، كما أعلمه أنّه تواصل مع ضابط إسرائيلي يدعى "جان" عبر الـ"سكايب" وأنّه يرده مبلغ 100 دولار أسبوعيّاً من دون أن يقدّم أيّ شيء بالمقابل. ويضيف الشاهد أنّه سارع الى إعلام "حزب الله" بالأمر ليتحققوا من صحة الواقعة.
وبسؤاله عمّا إذا كان قد حاول ثني رفيقه عن عمله أو شرح له مخاطر أفعاله ردّ الشاهد: "لم أستطع منعه وطلب منّي أن لا أتكلّم بالموضوع أمام أحد"، نافياً أن يكون المتهم حاول تجنيده للعمل لصالح العدو.
أُعطي الكلام للمتهم ليرد على صديقه الشاهد فقال: "لم أتواصل مع أحد. كنت يومها (في العام 2012) في الصف الثانوي الأوّل (seconde) كنت ولداً يريد التشبيح على أصدقائه ولم تحصل تلك الرواية أبداً ولم أتواصل مع أحد على الإطلاق".
بعدها ترافع وكيل المتهم المحامي صليبا الحاج فأكّد أنّ الحادثة وقعت في أواخر العام 2012، حين اتصل "جان" بموكلي، الذي ما إن علم أنّه يهودي حتّى قطع علاقته به وهذا ثابت في الملف، مشيراً الى أنّه لا "تجسّس ولا قبض مال" في الملف وهي عملية "تباهي أمام الرفاق" لا أكثر وأنّ الحزب استدعى الفتى في تلك الفترة واستمع اليه ثمّ تركه، ليتم توقيفه بتهمة التواصل مع العدو منذ ثمانية أشهر، وخلص الى طلب كف التعقبات بحق المتهم لعدم كفاية عناصر الجرم أو وقف تنفيذ العقوبة لعدم وجود نيّة جرميّة.
أعطي الكلام الأخير للمتهم فطلب الرأفة والعودة الى دياره لرؤية أمّه وأخوته.