كتب المفكر والإعلامي والديبلوماسي الراحل واجد دوماني في العديد من الصحف والمجلات، وأغنى صفحاتها بما كتب عن الفكر والأدب والثقافة والإعلام والسياسة والصحة والإنسان وشؤون الحياة، بأسلوب يعتمد العمق والبساطة والسلاسة والأناقة في آن، وينبع من غنى الثقافة وغزارة الإطلاع وعمق التجارب. بعض مقالاته يعود إلى الستينيات، ومع ذلك فإنّ القارىء يتفاعل معها وكأنها كتبت اليوم، ولقد اختار"لبنان 24" إعادة نشر هذا المقال، وعنوانه: "الإنسان جسد وعقل وروح".
عندما يتعاون العلم والدين، ويتضافران معاً يتحقق للإنسان قدر من السعادة..
إن علم النفس هو أكثر العلوم معرفة واعترافاً بأهمية الجانب الروحي الذي تسيطر عليه الحاسة الدينية والإيمان..
إن الصحة تتوقف على سلامة البيئة من الجراثيم واستبقائها لشروط العافية.. وبما أن الإنسان جسد وعقل وروح، فصحة الجسم تتوقف على صلاحية البيئة البدنية، وصحة العمل تتوقف على صلاحية البيئة العقلية، وصحة الروح تتوقف على صلاحية البيئة الروحية..
وهذه البيئة الروحية الصالحة المثلى هي التي يسميها الناس منذ أقدم العصور باسم الإيمان.. أو الثقة بالله..
بعض المتحذلقين من أدعياء التقدم العصري يتعبون أنفسهم، ويرهقون الناس معهم في البحث عن اسم آخر للإيمان بالله.. فيقولون "اللانهائية" تارة، و"اللامحدود" تارة أخرى.. وهذا كله تخرص وافتئات.. يؤدي إلى بلبلة في النفوس، وارتباك في العقول، وشرخ في القيم الروحية الأصيلة، التي تتمثل في الدين والإيمان بالله.
إن شيخ علماء النفس المعاصرين كآرل "يونج" يقرر أن الغالبية العظمى من مرضاه في ثلث القرن الأخير - وهم أناس يأتونه من كافة أنحاء العالم - كانت مشكلتهم الأساسية هي الحاجة إلى وجهة نظر ثابتة لا تتزعزع إلى الحياة برمتها سواء في الدنيا أو الآخرة.. إن علتهم تكمن في الحاجة إلى إيمان يرضى إحساسهم الديني من الفراغ الذي يشكون.
ويقرر "يونج" أنه ما من أحد من هؤلاء المرضى تمكن أن يشفى شفاء حقيقياً من غير أن يلجأ إلى الإيمان، ويستعبده، الإيمان بالدين أياً كان ذلك الدين..
وشهادة "يونج" ذات قيمة علمية لا يمكن الاستهانة بها، وكأنه يقول لنا: لا يمكن لكم يا أبناء هذا العصر، وأبناء هذا الزمن الرديء أن تحققوا سعادتكم دون التمسك بأهداب الدين، .. ويضيف "يونج" قائلاً: على علم النفس أن يتعاون مع الدين تحقيقاً لراحة الإنسان وسعادته.. وأمنه..
والدين، بل الإيمان، عنصر أساس، يصنع للفرد طمأنينته وسلامه الداخلي، وعلماء النفس.. يلجأون إليه، ويستخدمونه في علاج كثير من الأمراض، فالقضاء على جرثومة القلق النفسي، وتنظيف نوافذ النفس المظلمة لا يتم إلا باللجوء إلى الإيمان.. لأن نوافذ هذه النفس التي نطل منها على العالم معتمة يشوبها غشاوات.. لا يمكن تنظيفها، وتبديدها إلا بالإيمان..
والإيمان وحده يصنع المعجزات...
الإيمان يقتل الخوف..
الإيمان يعزز الثقة بالنفس
الإيمان يحقق السلام الداخلي
الإيمان يجعل الإنسان متماسكاً، ومتوازناً بقراراته، وأحكامه ومواقفه..
وأخيراً هذا الإيمان وحده.. كان وراء تلك الفتوحات العظيمة، وتلك الحضارة التي حققها المسلمون العرب.. وكانت لهم في كل أرض موقع قدم.. وكان لهم في كل قارة، منارة تضيء..
نعم عندما نقول.. "وإيماناه"..
إنما نعني ما نقول.. ويوم فقد الإنسان العربـي "إيمانه" فقد فَقَدَ كل شيء.. وكل ما نشاهده على الساحة العربية من انتكاسات وانحرافات وانحسارات، وهزائم، وانحرافات.. وغيرها وغيرها.. إنما سبب ذلك.. هو فقدان الإيمان من النفوس.. فالمناداة بالعودة إليه، والتمسك به، والبحث عنه.. هو الخطوة الأولى، الخطوة السليمة نحو الهدف المنشود نحو الإيمان.. والله أعلم..