يدخل مسار تأليف الحكومة العتيدة المتعثر أسبوعًا جديدًا من المراوحة بعدما وصلت الأمور إلى حافة الإنزلاق في مهاوي المجهول، وسط مخاوف لا تتردد الدول الغربية المهتمة بالوضع اللبناني من التحذير من مضاعفات ما يمكن أن يواجهه لبنان، أقله على الصعيد الإقتصادي، والذي يفترض قيام حكومة جامعة لمواكبة الخطوات الإنقاذية وللحؤول دون تدهور الأوضاع أكثر مما هي عليه حاليًا، مع ما تفرضه هذه المواكبة من إصلاحات ضرورية للحدّ من تأثيرات تفشّي الفساد في مفاصل مؤسسات الدولة، وهي شروط لازمة وضعتها الدول التي شاركت في مؤتمر "سيدر 1"، والتي رصدت للبنان مساهمات ضخمة لمساعدته في عملية النهوض وإبقائه واقفًا على رجليه، في إنتظار الإنفراج الموعود حالما تضع الحرب في سوريا أوزارها، مع ما يترتب على ذلك من وضع خطط مبرمجة لعودة آمنة للنازحين السوريين إلى بلادهم، وقد أدخل الرئيس سعد الحريري روسيا طرفًا أساسيًا لمساعدة لبنان في حل هذه الأزمة، التي تبدو أنها مرتبطة أيضًا بما يطالب به البعض لجهة قيام تنسيق رسمي بين لبنان وسوريا.
وفي إعتقاد أوساط سياسية متابعة لملف التأليف والمفاوضات الجارية على أكثر من خطّ أن العلاقة بين لبنان وسوريا، على الأقل في ما يتعلق بأزمة النازحين، ستكون حاضرة بقوة في النقاشات، التي ستلي خطوة تشكيل الحكومة، وقبل الولوج في تفاصيل البيان الوزاري، الذي يُرجّح أن يكون مادة خلافية جديدة بعد تذليل العقد الحكومية، حيث سيطالب الفريق الذي يدور في فلك "حزب الله" بأن يكون هذا البند واردًا، وبشكل صريح في البيان الوزاري، وهو الذي سيحدّد سياسة الحكومة العتيدة.
ويندرج هذا الموضوع، ولو في شكل غير مرئي، في خانة العراقيل التي لا تزال تحول دون ولادة الحكومة بالسرعة المطلوبة، ووفق ما تقتضيه الظروف، خصوصًا أن الرئيس الحريري، الذي كان يعتقد عند تكليفه أن تأليف الحكومة لن يكون متعثرًا بالقدر الذي هو عليه حاليًا.
وعلى رغم هذه الأجواء الضبابية والملبدة، لا يزال الحريري على موقفه بأن تأليف الحكومة لن يطول أكثر مما طال، وهو يحاول بشتى الطرق الإيحاء بأجواء تفاؤلية، ويشدّد على أن ما ينتظر الحكومة من إستحقاقات داهمة ومن ملفات كبيرة يستلزم قيام حكومة وحدة وطنية لا تستثني أحدًا ولا تقصي أي مكّون من المكونات اللبنانية، بإعتبار أن القرارات التي ستتخذها الحكومة، وهي قرارات مصيرية، تتطلب مشاركة الجميع في تحمّل مسؤوليتها وتبعاتها، وبالأخص في ما يتعلق بأزمة النزوح السوري والعلاقات اللبنانية – السورية، وترجمة مقررات مؤتمر "سيدر 1"، والتصدي للفساد وتعزيز دور القوى الأمنية وإطلاق يدها في تثبيت الإستقرار الأمني في البلاد.
من هنا، تعتقد هذه الأوساط أن رفض الحريري لأي محاولة من قبل أي طرف، وبالأخص فريق العهد، لحصوله على الثلث المعطّل، يأتي من ضمن سياسة "توقّع الأسوأ"، مع إصراره على أن يكون تمثيل "القوات اللبنانية" وازنًا، عددًا وحضورًا، لتكون مساندة له في تلطيف مفاعيل ما يمكن أن يطالب به الفريق المحسوب سياسيًا على "حزب الله"، وبذلك يكون قد حمى ظهره.