يواصل ملف النزوح السوري خطف الأنظار على الساحة الداخلية اللبنانية على ما عداه من ملفات أخرى، لا سيّما بعد الدخول الروسي على خط حلحلة الأزمة وايصالها الى نهاياتها، مع اعلان وزارة الدفاع الروسية عن فتحِ معبرَين للاجئين السوريين من الأردن ولبنان. على أن تُفتح ثلاثة معابر أخرى بعد ثلاثة أيام.
والواضح أنّ لبنان يرصد تطوّرات هذا الملف الضاغط، ويسعى لتوفير عودةٍ سريعة للنازحين والتخفيفِ من العبء الذي يشكّلونه على أكثر من صعيد.
عون: نرحب ولكن!
وفي هذا السياق، نَقل زوّار رئيس الجمهورية ميشال عون ترحيبَه بالمقترحات الروسية باعتبارها من ثمار القمّة الأميركية – الروسية. وقال إنه ما زال بانتظار التفاصيل الدقيقة المتعلقة بها والمراحل التي تتحدّث عنها. وبحسب الزوّار، فإنّ ترحيب رئيس الجمهورية وتفاؤلَه بالمقترحات الروسية مردُّه إلى أنه كان ينتظر شيئاً مِن هذا القبيل في أيّ وقتٍ متى توافرَت الإرادة الدولية الجامعة، وذلك نتيجة الجهود التي بَذلها على أكثر من مستوى، سواء مع السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبكين والموفدين الروس الآخرين، كما المسؤولين الأوروبيين الذين زاروا لبنان ومنهم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي كانت من آخِر هؤلاء الزوّار الدوليين.
واستطرَد رئيس الجمهورية أمام زوّاره ليقول: سبَق أن أبلغتُ هؤلاء جميعاً ومنهم سفراء مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان والذين زارونا بناءً لطلبهم في أعقاب الإشكال الذي حصَل مع وزارة الخارجية بأنّ لبنان لا يمكنه أن يتحمّل عبءَ النزوح السوري لوحده وليس بقدرتنا استيعابهم. وأضاف: كنتُ واضحاً أمام أعضاء الوفد الذي ضمّ الجميع من ممثلي الدول الخمس ذاتِ العضوية الدائمة في مجلس الأمن والسفراء الأوروبيين وممثّلي الاتّحاد الأوروبي والجامعة العربية أنّه لا يمكننا أن ننتظر الحلَّ السياسي لتكونَ هناك خطوات عملية من أجل إعادةِ النازحين السوريين.
وانتهى الزوّار إلى القول إنّ رئيس الجمهورية ينتظر التفاصيلَ المتعلقة بكلّ المراحل المقترَحة، بما فيها الحديث عن لجنةِ تنسيقٍ مشتركة وغيرُها من الآليات التنفيذية، ليكونَ لنا الموقف المناسب في الوقت المناسب، جازماً بأنه "لن يمرَّ شيء دون عِلمنا أو عبرنا".
وأكدت مصادر بعبدا لـ "الأخبار" أن رئيس الجمهورية لم يفاجأ بالموقف الروسي من قضية عودة النازحين السوريين، بل كان يتوقعه نتيجة حراك قاده منذ وصوله إلى سدة الرئاسة، وخصوصاً من خلال محطتين أساسيتين، الأولى، تتمثل في مفاتحة السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبكين، بالأمر منذ 3 أشهر، وإصراره على وجوب أن تلعب روسيا بحكم وجودها على الأرض السورية وتحديداً في المناطق الآمنة، "دوراً أساسياً في توفير الضمانات المطلوبة دولياً لعودة النازحين". والثانية، شرحه لسفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان، أهمية عدم ربط العودة بالحل السياسي، وكان لافتاً أن زاسبكين خالف وجهة نظر زملائه، وقال إن توجه فصل عودة النازحين عن الحل السياسي "خيار قيد الدرس لدى القيادة الروسية".
وأشارت المصادر إلى أنه "عندما بدأ الأمن العام بتنظيم قوافل عودة النازحين، حظي الأمر باهتمام روسي، إلى أن توافر الغطاء الدولي الكبير في قمة هلسنكي، فتبدل الموقف الأميركي لمصلحة العودة قبل الحل السياسي".
في هذا الوقت، تتكثّف الاتصالات حالياً مع الجانب الروسي لدرس الآلية التي ستوضع في هذا الإطار، بانتظار عودة السفير زاسبكين من إجازته، للتواصل معه من أجل المتابعة، وهذا الأمر يتم أيضاً بالتنسيق مع الجانب السوري عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي هو قناة التواصل الرسمية بعلم وموافقة الحريري.
ووضعت المصادر تكليف الحريري مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان بالتواصل مع المسؤولين الروس في خانة الاستفسار، وقال: "أي خطوة ستقرر لجهة فريق العمل وطبيعة مهمته سيبحثها رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة بعد عودته، بحيث تحدد طبيعة اللجنة (عسكرية أو ديبلوماسية أو سياسية)، ناهيك عن دور وزارة الخارجية بتفعيل القناة الديبلوماسية المتمثلة بالسفير اللبناني لدى دمشق، خصوصاً أن لبنان لم يقطع علاقاته الديبلوماسية مع سوريا، وبالتالي لا شيء يمنع تفعيل هذه القناة الديبلوماسية".
في المقابل، ردت مصادر مطلعة على موقف بعبدا عبر "النهار" مشيرة الى ان الرئاسة الأولى لم تستسغ فكرة تأليف اللجنة التي يتحدث عنها مندوب الرئيس سعد الحريري، "لأن مثل هذا الموضوع لا يتقرر على مستوى مستشارين أو معاونين، وفق تعبير المصادر. ولذلك سيكون هذا أحد ملفات البحث بين رئيس الجمهورية والرئيس الحريري بعد عودته الى بيروت، بحيث يتقرر عندئذ تشكيل لجنة على أي مستوى، أكان ديبلوماسياً أم أمنياً أم على المستويين مجتمعيْن، لأن لمثل هذه الآلية أصولها ولا بد من العودة الى المؤسسات في كيفية التعامل معها".
برّي: للتنسيق مع سوريا
الرئيس نبيه برّي أكّد بدوره، أمام زوّاره، أن مسألة التنسيق مع سوريا باتت أمراً ملحّاً في كل المجالات، وعلى رأسها مسألة النازحين السوريين. وقال إن الحديث عن عدم التنسيق مع سوريا "مسخرة يجب أن تنتهي"، معتبراً أن الدور الروسي مرحّب به في إعادة النازحين، وأشار إلى أن الوزير حسين الحاج حسن سيزور دمشق، غداً، لتنسيق أمور تخصّ وزارته، مؤكّداً أن هناك مصلحة لبنانية كبرى بإعادة العلاقات مع سوريا إلى أوجها وهناك مصالح لبنانيين وعائدات مالية كبيرة تعود على البلاد، وهي متوقفة أو مشلولة بسبب الحرب والآن يجب أن تعود.
وشدد الرئيس بري على أنّ التواصل مع سوريا يَخدم لبنان اقتصادياً، لا سيّما في مرحلة إعادةِ الإعمار.
العودة بضمانات دولية
في المقلب الآخر، أشارت صحيفة "اللواء" الى ان تيّار "المستقبل" و"القوات اللبنانية" والحزب التقدمي الاشتراكي، رفضوا المطالبة بالتواصل مع النظام السوري، بدل الاتكال على الروس في هذا الملف، مؤكدين ان العودة الآمنة للنازحين إلى أماكن آمنة في سوريا، لا تتم الا من خلال ضمانات دولية نحاول الحصول عليها في مبادرة الرئيس الحريري تكليف مستشاره جورج شعبان التواصل مع الروس.