ثمة من يصر على إخراج مسألة تأليف الحكومة من إطارها الدستوري – الوطني – الميثاقي، وحشرها في زواريب الشعبويات، والتسريبات الاعلامية، والحسابات الخاصة، والنكايات الشخصية، وكأن لبنان يعيش أحسن حالاته وأعلى مستويات رفاهيته، فيما الواقع أن البلد يواجه تحديات كبيرة. هكذا تشبه الصراعات القائمة ولعبة التعطيل هواة منغمسين في تحدي رقصة "KIKI" بينما العربة تسير.. إلى الهاوية ربما!
على هامش مشهد التأليف سجلت محاولات اختراق سياسي تستحق التوقف والتأمل والتذكير "لعل الذكرى تنفع":
الأولى تلويح البعض، بعلم أو من دون علم، بمعرفة أو عن جهل، بإمكانية سحب تكليف الرئيس سعد الحريري، بعد إغراقه بالشروط واللاءات، والمطالب والمطامع، والأحجام والأوزان، والسقوف والعتبات، والحقائب والجزادين.. التي تعيق عملية التشكيل أو تجعل منها شيئاً أشبه بتحديد جنس الملائكة. وفي التبع من ذلك، الغمز من صلاحيات رئيس الحكومة في تحديد سياسة الدولة اللبنانية من مسألة إعادة النازحين والمبادرات المطروحة في هذا الإطار.
الثانية: الحملة المفاجئة على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان للمطالبة بإلغائها بحجج وذرائع لا تستقيم إلا في عقل مطلقيها.
في المسألة الأولى، من الضروري الكفّ عن تحميل الدستور ما لا يستطيع، ومن الضروري أيضاً التذكير بأن الطائف ومن قبله الدستور حدد بوضوح صلاحيات تشكيل الحكومة وصلاحيات مقام رئاستها، وهو أمر ميثاقي لا يمكن لألف سببٍ وسبب التنازل عنه أو التهاون فيه أو الانتقاص منه شكلاً أو مضموناً، وصلاحية تشكيل الحكومة، حق دستوري حصري لرئيس الحكومة المكلف وفق استشارات نيابية ملزمة، ووفق الوقت الذي يراه مناسباً، والشكل الذي يعتبره ملائماً فـ "هو يمثلها ويتكلم بإسمها"، وهو من "يطرح سياستها أمام مجلس النواب". وهو من "يدعو مجلس الوزراء للإنعقاد"، وهو من "يتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة وينسق بين الوزراء" ويعطي "التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل". وهذه المسلمات إلى كونها ثوابت دستورية وأعراف وطنية مستقرة لا يستطيع أي كان تجاوزها وهو ما سبق أن أكد عليه اجتماع رؤساء الحكومات، ولجميعهم من الحكمة والدراية والتجربة من يمنعهم من الشطط في تقدير الأمور أو مراعاة المواقع.
إن الضيق الحاصل تجاه مقام رئاسة الحكومة من بعض الأطراف السياسية المستعجلة والمتعجلة في تقدير حجمها يكشف بحدّه الأدنى تسرعاً إن لم نقل أنه يكشف محاولات ابتزاز أو ضغط أو تهديد ربما، كما يحصل مع الرئيس الحريري أو كالذي حصل مع الرئيس نجيب ميقاتي قبل أيام.
في المسألة الثانية المتصلة بالحملة على المحكمة الدولية، ومع التأكيد بأن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قضية تتجاوز في دلالاتها وتداعياتها وغاياتها الجرائم العادية بل تمسّ الأمن الوطني والسلم الأهلي وقبل كل ذلك تمس وجدان اللبنانيين، ومنهم شريحة كبيرة تعتبر أن الاغتيال الإرهابي نالها في دورها وموقعها، وبالتالي إن كشف الحقيقة فيها وتحقيق العدالة لضحاياها شرطٌ أساسي لعودة التوازن الوطني مهما طال الزمن، ولو كان ذلك متحققاً في القضاء المحلي لما تمّ اللجوء إلى القضاء الدولي.
بعد ذلك، قد يكون الكلام الذي صدر عن المحكمة تهويلاً على الطريقة اللبنانية طلباً لأمر معين في الحكومة العتيدة أو الملفات المطروحة، لكن على الجميع أن يدرك أن المحكمة أنشأت بقرار من مجلس الأمن لتبيان الحقيقة والاقتصاص من القتلة ووقف الاغتيالات، وإلغاؤها قرار لا يتخذه إلا مجلس الأمن، ولا يوجد آلية أخرى على الإطلاق لها الحق بذلك.
بعيداً عن أفخاخ المجاز، وتذاكي البلاغة، وحسابات الطامحين.. لكل من الرئاسات في لبنان موقعها ورمزيتها وصلاحياتها، والدستور هو الدستور، أما تحدي "KIKI" فمجرد لعبة خطرة.