خطفت زيارة الموفد الروسي الكسندر لافرنتييف على رأس وفد ديبلوماسي وعسكري رفيع، والتقى الرؤساء الثلاثة ووزراء ومسؤولين أمنيّين بيروت الأنظار على ما عداها من ملفات وزيارات على الساحة الداخلية اللبنانية، خصوصاً وان الوفد حمل في جعبته حلاً لأزمة النازحين السوريين، ومقترحاً يساعد لبنان على حلّ العبء الثقيل الذي تمثّله أزمة اللجوء السوري إليه، بحسب ما ذكرت صحيفة "النهار".
المقترح الروسي
وعلمت "الجمهورية" أنّ الأفكار الروسية والاقتراحات التي نقلها الوفد الروسي الى لبنان تمحورت حول خمس نقاط اساسية هي:
1- اقترح الروس تأسيس لجنة في كل من لبنان والاردن وتركيا، للتنسيق والمتابعة مع الجانب الروسي في سبل العودة وآلياتها. وفي السياق أصر الرئيس سعد الحريري على ان تكون لجنة أمنية لوجستية لبنانية ـ روسية، مع التركيز على ضمانات امنية داخل سوريا للعائدين.
2- ابلغ الوفد الروسي الى الدول المعنية في المنطقة ان موسكو نسّقت مع الحكومة السورية، وانّ لديها ضمانات بعدم التعرض للعائدين. واشار الوفد قبيل مغادرته بيروت الى ان البيان الذي اصدره الرئيس السوري بشار الاسد امس تم بالتفاهم مع الروس.
3- كشف الروس ان اعادة الاعمار في سوريا، خصوصا للبنى التحتية المدمرة تحتاج الى دعم مالي، وقد طُلب من الاميركيين والاوروبيين تأمينه، وهم لم يردوا على هذا الطلب بعد.
4- أسّس الروس مراكز في سوريا من المفترض ان ينتقل اليها العائدون في المرحلة الاولى، ومنها الى قراهم بعد اعادة اعمارها.
5- ستكون هناك نقاط عبور تمر عبر الدولة التي يعود منها النازحون، والروس والنظام.
وأفادت معلومات أن الوفد الروسي نقل من دمشق اجواء وصِفت بأنها "اكثر من مشجعة"، خصوصاً لجهة استعداد دمشق لتقديم كل المساعدة والتسهيلات بما يخدم المبادرة الروسية لاعادة للنازحين، مع التأكيد ان السلطات السورية لن تتعرض لأي من هؤلاء.
واكد الوفد ان المبادرة الروسية "لم تنطلق من فراغ، بل هي نتاج توافق دولي شامل حولها، والا لما كانت تسير في الوتيرة التي تسير فيها نحو التطبيق".
وبحسب ما أفادت مصادر المجتمعين لـ"المستقبل" فإنّ الاقتراح الروسي المُرسل إلى الجانب الأميركي بخصوص تنظيم عملية إعادة النازحين السوريين من دول الجوار وخصوصاً من لبنان والأردن، إنما يلحظ من ضمن بنوده مسألة تمويل إعادة ترميم البنى التحتية في سوريا والكلفة المُقدّرة لذلك في إطار تحث من خلاله موسكو المجتمع الدولي على المساهمة في إعادة إعمار سوريا. وأوضحت المصادر في ما خصّ خارطة الطريق الروسية المُقترحة لإعادة النازحين أنّ الاقتراح يُسجّل وجود 6 ملايين وتسعماية ألف نازح في 45 دولة، مبدياً الاستعداد للعمل "على مراحل" لإعادة 890 ألف نازح من لبنان و750 ألفاً من باقي دول النزوح وهم يتوزعون على الشكل التالي: 300 ألف من تركيا، 150 ألفاً من الأردن، 100 ألف من العراق ومصر، ونحو 200 ألف من أوروبا.
أما المراكز المُخصصة لاستقبال النازحين، فحدّدها الاقتراح الروسي بـ7 وهي أبوالضهور، السلخانية، معبر النصيب، الزمراني (لبنان)، البوكمال، دير الزور ودرعا، على أن يبدأ العمل بدايةً من النصيب والزمراني، بحيث تتولى القيادة الخاصة تأمين التجهيزات اللازمة في هذه المراكز لاستقبال النازحين العائدين وتوفير الخدمات اللازمة لهم، وسط تأكيد المصادر أنّ الجانب الروسي يلتزم في اقتراحه تواجد "الشرطة الروسية" عند كل مركز عبور للإشراف على عملية انتقال النازحين إلى الداخل السوري.
والى ذلك، قالت مصادر تابعت اجواء اللقاءات اللبنانية - الروسية لـ"الجمهورية" ان "التطور الابرز الذي طرأ على ملف النزوح هو قوة الدفع الدولية التي أعطيت في قمة هلسنكي وحملها معه موفد بوتين الى لبنان، معطوفة على ضمان دولي لم يكن متوافراً في السابق وهذا ما يشجع النازحين اكثر على العودة. فالروسي وخلفه الأميركي سيكون مسؤولا عن هذه العودة وهو موجود على الارض".
وكشفت ان الجانب الروسي "اعلن صراحة بأنه مسؤول عن كل نازح يعبر الحدود بالتنسيق مع الجهات المعنية، اما الإجراءات فلن تخرج عن النطاق المتبع منذ مدة من الامن العام اللبناني". واكد الوفد الأمني الروسي خلال اجتماعه مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم في القصر الجمهوري "ان الامن العام اللبناني سيكون هو محور العملية، والآلية التي يتبعها هي التي ستعتمد ضمن الخطة الجديدة للعودة".
موقف لبناني موحّد
وابلغ لبنان الى الوفد موقفاً موحداً من المبادرة الروسية عبّر عنه رئيس الجمهورية بتأكيد اهمية التجاوب المطلق معها بما يخدم الهدف الذي يتوخاه لبنان وهو رفع عبء النازحين عنه حيث بلغت المعاناة من هذه القضية على كل المستويات حدا لا يوصف.
وفي المعلومات ايضاً ان الجانب اللبناني ابدى استعداده الكامل للتعامل الايجابي، والابعد من الايجابي، مع اللجنة التي سيؤلفها الجانب الروسي في شأن لبنان، وقد خلص اللقاء الى اتفاق على مواصلة البحث في لقاءات تتحدد مواعيدها وفقا للتطورات التي تنشأ على هذا الصعيد.
وقالت مصادر مشاركة في اللقاء لـ"الجمهورية": "نستطيع القول اننا بدأنا الخطو نحو حل مشكلة النازحين، لكننا لا نستطيع ان نقول ان هذا الملف سيقفل بـ"كبسة رز"، هناك مسار بدأ وبالتأكيد سيأخذ بعض الوقت".
وكشفت مصادر لبنانية مطلعة لـ"اللواء" ان اللجنة المقترحة قيد التشاور وسيسند إلى وزارتي الدفاع والداخلية اختيار الأعضاء الذين سينضمون إلى اللجنة أو تتكون منهم.
وقالت مصادر وزارية تابعَت جانباً من المحادثات لـ"الجمهورية": "على حكومة تصريف الاعمال ان تجتمع الآن في جلسة طارئة لأن هذا الملف استراتيجي كبير ويهدد لبنان سياسيا واقتصاديا ويؤثر على البنى التحتية". وسألت: "اذا لم يكن هذا الامر الذي يهدد مصلحة لبنان العليا يستدعي الاجتماع فما الذي يستدعيه، خصوصا أنّ الاجتماع سيكون في هذه الحال دستوريا وضمن صلاحيات حكومة تصريف الاعمال؟ فهناك مبادرة دولية جدية على لبنان ان يلاقيها في منتصف الطريق بموقف موحد توافق عليه كل القوى السياسية حتى لا تضيع الفرصة في زواريب المزايدات او المواربات. فما حصل في السابق من هروب وتنصل ومماطلة لم يعد يصحّ الان وعلى الحكومة الاجتماع ووضع إجراءات عملية على المستوى الداخلي وتكليف اللواء ابراهيم رسميا للتواصل والتنسيق مع الجانب السوري، وهو ما يجب ان يذهب اليه لبنان شاء أم ابى، لأن الزيارات السرية لم تعد تصلح في ظل وضع هذا الملف أمام المجهر الدولي وعلى طاولة التنفيذ". ودعت المصادر "الى التوقف عند ما قاله الموفد الروسي من انه سيتوجب على لبنان التواصل والتعاون مع السلطات السورية، ولَم يحدد في كلامه التنسيق الأمني، ما يعني انه قصد بذلك السياسي منه أيضا".
وعلمت "الجمهورية" ان مطلع الاسبوع المقبل سيشهد تحركاً كبيراً على هذا الصعيد بعد ان يكون لبنان قد حزم أمره واتخَذ إجراءاته.
وبعد انتهاء المحادثات الروسية - اللبنانية عُقد اجتماع بين الرؤساء الثلاثة قوّم نتائج هذه المحادثات. وقالت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" ان عون اجرى مع بري والحريري تقويما لمهمة الوفد الروسي، وتبادلوا الآراء حول التوقعات من المبادرة الروسية والأجواء الدولية التي تواكبها وما هو محتمل من عراقيل مادية، سياسية او عسكرية وامنية. وانتهى التقويم الى التفاؤل بالتأييد الدولي الذي وفّرته الديبلوماسية الروسية نتيجة للتفاهم مع الجانب الأميركي، وهو تأييد يفيض الى مرحلة الإجماع. فالعالم يخشى من اي انفجار اجتماعي او اقتصادي يصيب المجتمعات المضيفة للنازحين، ويمكن شظاياه ان تصيب الجميع.
وأوضحت مصادر المجتمعين لـ"المستقبل" أنّ الجانب الروسي سلّم الرئيس المكلّف «ملفاً متكاملاً حول مقترحات إعادة النازحين السوريين، وهو يتضمن خرائط وصوراً للمناطق المنوي استخدامها لإيواء العائدين إلى سوريا»، مشيرةً في المقابل إلى أنّ الحريري طرح أمام الوفد سلسلة أسئلة عن دور مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعما إذا كان الجانب الروسي قد تلقى أجوبة من الولايات المتحدة الأميركية على هذه المقترحات، وما إذا كان هناك اتصال مع الأوروبيين حول هذا الموضوع؟ بالإضافة إلى استفساره عن الجواب الذي تلقاه الوفد الروسي من القيادة الأردنية وعن الضمانات المُتعلقة بتوفير ظروف العودة الآمنة للنازحين.
عون مرتاح
في هذا الوقت، أشارت مصادر الرئيس عون لـ"الشرق الأوسط"، إلى أنه أبدى ترحيبه بالمبادرة الروسية أمام الوفد، وأكد على "استعداد لبنان لتقديم المساعدات اللازمة لتنفيذ المقترحات عبر تشكيل اللجان أو الآلية التي ستعتمد". كما لفتت مصادر مطلعة على اجتماع قصر بعبدا لـ"الشرق الأوسط"، إلى أن الوفد الروسي لفت إلى أن الأزمة في سوريا شارفت على الانتهاء وعودة الاستقرار؛ ما يسمح للعودة الآمنة الطوعية، وهو ما سيتم العمل عليه من لبنان والأردن، وتركيا، مؤكداً في الوقت عينه، أن النظام قدّم ضمانات بعدم اتخاذ أي تدابير بحق العائدين.
بري: داعمون لهذا المشروع
وسئل رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الموقف اللبناني من المبادرة الروسية، فقال: "اجزم بأن هناك موقفاً لبنانياً واحداً، وكل كلام عن انقسامات واصطفافات لا مكان له في هذا الموقع، وان شاء الله يبلغ هذا الملف خواتيمه الطيبة". وابدى ارتياحه الى الاجواء التي سادت اللقاء، وأكد ان هناك موقفاً لبنانياً موحدا حيال مقاربة المبادرة الروسية لموضوع النازحين.
ونقلت أوساط عين التينة لـ"المستقبل"، من جهة ثانية، ارتياح بري للمقترحات الروسية الهادفة إلى إعادة النازحين، معتبراً أنّ "موسكو لديها تفويض عالمي بحل أزمة النزوح"، وأنّ الدور الروسي في هذا المجال "مرتبط حكماً بعملية إعادة إعمار سوريا ربطاً بالحاجة المُتلازمة بين تأمين عودة النازحين وبين تأمين ظروف إيوائهم ووسائل الحياة الكريمة لهم".
ولفت بري رداً على بعض الاستفسارات إلى أنّ اللجنة اللبنانية التي ستنضم إلى اللجنة المُشتركة المعنية بإعادة النازحين ستكون تحت إشراف رئيس الحكومة، مؤكداً في الوقت عينه أنّ "كل الأطراف اللبنانية سيكونون داعمين لهذا المشروع باعتباره يؤمن مصلحة وطنية للجميع".
ابراهيم: مستمرون في المهمة
على المقلب الآخر، استوضحت "الجمهورية" اللواء عباس ابراهيم موضوع اللجنة والآلية والتكليف، فلم يشأ التعليق مكتفيا بالقول: "نحن مُستمرون وفقا للمهمة المعطاة لنا سابقا وحتى الآن لم نتبلغ اي جديد، وهناك دفعة كبيرة من النازحين تقدَّر بالمئات ستعود السبت المقبل الى الاراضي السورية وفق الآلية الحالية".