خرقت المقترحات الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم تبلّد المشهد السياسي الداخلي، لا تأليف الحكومة يريد الخروج من عنق زجاجة التعطيل، ولا الأطراف السياسية مستعجلة لحسم أي من الملفات الضرورية المطروحة في الإعلام فقط فيما مصيرها معلق على مجهول التطورات والحسابات.
وسط كل ذلك هل يمكن القول بأن عملية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم انطلقت وفق المبادرة الروسية التي تحظى بمباركة أميركية وموافقة النظام السوري، وبالتالي خرجت من إطاري الشعبوية الغَرَضية أو النظري المثالي.
المعلومات المتداولة بالتوازي مع زيارة الوفد الروسي الديبلوماسي والعسكري برئاسة الموفد ألكسندر لافرنتييف، أن موسكو جدية في مسعاها، وتريد مساعدة لبنان على حلّ العبء الثقيل المتمثل باللجوء السوري إليه، فالاهتمام الروسي يعني في ما يعنيه تفهّم موسكو لحجم الأعباء السياسية والأمنية والمالية التي تتحملها الدول المضيفة، ومنها لبنان، لكنه يعني أيضاً أن الأزمة السورية بشقها العسكري انتهت أو شارفت على الانتهاء، وإلا لن تضع موسكو مصداقيتها وسطوتها ونفوذها في ملف لا ترى أفقاً لحله لما للأمرين من ترابط شرطي ضروري.
فالقول بأن الأزمة العسكرية انتهت أو شارفت على النهاية يعني أيضاً تحقيق ظروف مواتية للعودة الطوعية والآمنة، وهذا ما كانت تطالب به الأمم المتحدة والدول المضيفة للانخراط بعملية إعادة النازحين، تجنباً لأي تداعيات قانونية دولية لاحقة لعدم حماية النازحين وانتهاك المواثيق الدولية في هذا الإطار.
في القليل المتداول عن المقترحات الروسية أنها ترتكز إلى خمس نقاط أساسية كتأسيس لجنة في كل من لبنان والاردن وتركيا، للتنسيق والمتابعة مع الجانب الروسي في سبل العودة وآلياتها، وحرص موسكو على ابلاغ المعنيين أن النظام السوري أعطى ضمانات بعدم التعرض للعائدين، في مقابل السعي لتأمين دعم مالي، أميركي وأوروبي، لإعادة إعمار سوريا، وثمة نقطة مهمة تتمثل بتقسيم العودة إلى مرحلتين، أولى إلى مراكز إيواء داخل سوريا ومنها إلى القرى الأصلية للنازحين بعد إعادة إعمارها، وفي هذا البند إشارة إلى تصحيح الخلل الديموغرافي الذي سعى النظام لإحداثه بالتشارك مع حلفاء إقليميين، كما أنه يتضمن استدراج عروض تمويل إعادة الإعمار من خلال ضمان عودة كل إلى أرضه، وأخيراً من خلال إشراك الدول المضيفة بالإشراف على عملية تنظيم عبور العائدين بالشراكة مع الجانبين الروسي والسوري.
هكذا يتحصل أن للدول المضيفة والدول الراغبة بالمشاركة بإعادة الإعمار مكتسبات، فالمسألة ليست إنسانية بحتة وروسيا لم ولن تكون بمهمة إنسانية في سوريا، لكن ماذا عن النظام؟
في تقرير له قبل يومين ربط موقع "ليما تشارلي نيوز" بين المقترح الروسي الذي عُرض على كلّ من لبنان وتركيا والأردن من جهة، ومساعي موسكو الرامية إلى "شرعنة" حكم الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية، مذكراً بالجانب الآخر من المقترح الروسي وهو إنشاء مجموعة إقليمية مشتركة لتمويل ترميم البنى التحتية في سوريا تحت قيادة الحكومة السورية، معتبراً أنّ الرئيس فلاديمير بوتين والأسد يعوّلان على أزمة اللجوء وغياب التنظيم والإحجام الإقليمييْن عن قيادة جهود إعادة الإعمار السورية من أجل بلوغ مرادهما.
ولفت الموقع إلى أنّ قيمة فتح الحدود بالنسبة إلى الأسد وبوتين تعادل إعادة إضفاء الشرعية على الحكومة السورية وتطبيع وضعها الإقليمي، ذلك أنّ الحكومات المحلية ستضطر إلى الاعتراف بموقع الرئيس السوري والاعتراف بأنّه أرسى الاستقرار في سوريا.
من الضروري أيضاً السؤال عن موقف أطراف أخرى تعمل على الساحة السورية، فمع احتمال حصول تعاون روسي – أميركي في سوريا، ومع مواصلة إسرائيل شن ضربات جوية على سوريا، هل ستقبل إيران بموقف المتفرج فقط، أم أنها صمّمت استراتيجية وقائية ثنائية الجانب للحفاظ على مصالحها في سوريا، بحسب ما كشف موقع "المونيتور" الأميركي اليوم؟
لكن هل يكفي ذلك؟ وهل الأمر بهذه البساطة؟
يمكن تخيل عودة النازحين إلى أرض معركة طازجة، مثقلة بالدماء والعنف والعنف المضاد، ومعلّقة المصير، وفي ظل غياب القوانين المدنية والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ناهيك عن إمكانية وقوع عدد من العادئين بقبضة الأمن السوري لألف ذريعة وسبب.. كل ذلك يجعل من إشراك الأمم المتحدة كطرف رئيسي في العملية أكثر من ضرورة لصونها عن أن تكون عرضة لحرفها عن أهدافها، وهو أمر أعلن عنه أمس مندوب روسيا في المنظمة الدولية وهذه نقطة إضافية للاهتمام بالمبادرة الروسية التي تبدو إيجابية.. ويبقى انتظار مقبلات الأيام ليبنى على الشيء مقتضاه.