لم تشكّل عودة وزير الخارجية جبران باسيل من الولايات المتحدة الأميركية أي تقدّم ملموس في عملية تشكيل الحكومة، خصوصاً وان آمالاً كبيرة كانت تعقد على لقائه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، في تسريع عملية التشكيل. الاّ ان الأمور من المؤكد أنها لم تخرج بعد من المربع الأول، خصوصاً مع عودة نغمة حكومة الأكثرية، التي هدد بها باسيل أمس وقبله نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، إضافة الى ضرورة اعتماد معيار موحد للتأليف.
لا بشائر خير
وبحسب معلومات "اللواء"، فإن مؤشرات الأسبوع الطالع لا توحي بإمكان حدوث "معجزة حكومية" قبل عيد الجيش الذي يصادف الأربعاء المقبل، لكنه يمكن ان يكون حافلاً باستثمار المواقف التي يظهر ان معظم الفرقاء السياسيين بدأوا العزف عليها، بدءاً من "التيار العوني" إلى الثنائي الشيعي، إلى "القوات اللبنانية" وحتى من قبل الحزب الاشتراكي، ولو من توجه مختلف، وهي وجوب ان يعتمد الرئيس المكلف معياراً واحداً في تمثيل مختلف الأطراف في الحكومة العتيدة.
ورأت صحيفة "الأخبار" أن الأمور يبدو أنها ذاهبة نحو التأزم، وبالتالي إطالة فترة التأليف، حتى إن أحد الوزراء المشاركين يومياً في الاتصالات على أكثر من خط، وهو ينتمي إلى فريق 14 آذار، جزم بأنه لا يرى حكومة جديدة قبل الرابع من تشرين الثاني المقبل، موعد فرض العقوبات الأميركية الجديدة على إيران.
وفي هذا الاطار، أبدت مصادر مواكبة خشيتها من ان يكون ملف تشكيل الحكومة قد تحوّل بشكل كبير من داخلي الى خارجي، وقالت لـ"الجمهورية": "ما يحصل غير مفهوم وغير مبرر، فالعقد الداخلية تُحلّ بالتوافق اذا كانت نيّات الجميع صادقة بتسهيل التأليف، امّا الابقاء على السقوف العالية والتشدّد في المطالب فلا يمكن تفسيره الّا إيعازاً خارجياً، او بوجود قطبة مخفية".
وأبدت المصادر اعتقادها بأنه "اذا لم تتشكّل الحكومة خلال ايام قليلة، فإنّ الامور ستزداد تعقيداً ولن يكون هناك حكومة قبل نهاية العام".
العودة الى معايير التأليف
ورأى متابعون لملف التأليف عبر "النهار" "ان اعتماد معايير موحدة، وفقاً لما تردد عن وزير في مقابل 4 نواب، يحجب عن الحزب التقدمي الاشتراكي مطالبته بثلاثة وزراء في مقابل سبعة نواب، ويلزم الرئيس المكلف تمثيل سنة المعارضة بوزير أو أكثر وفقاً لعدد النواب. ويظهر أن باسيل وحلفاءه في قوى الممانعة مرتاحون الى ما ستؤول إليه التطورات الحكومية، عبر الضغط على الرئيس المكلف لإعلان تشكيلة تناسب التغييرات في موازين القوى لبنانياً، وما يحدث إقليمياً على المستوى السوري".
وفي هذا الاطار، تحدثت بعض المعلومات عن انّ الاطراف الاقليمية وخصوصاً سوريا، حريصة على ان تكون كفّة الحكومة المقبلة راجحة لها. ففي المرحلة المقبلة لبنان مدعو الى اتخاذ موقف من ملفات ذات بعد إقليمي تشمل سوريا وايران، وفي طليعتها: آليّة عودة النازحين السوريين الى بلادهم، واستعادة العلاقات اللبنانية - السورية بكامل أوجهها، والعقوبات المرتقبة على ايران ابتداء من السادس من شهر آب المقبل. واخيراً وليس آخراً مسألة إعادة إعمار سوريا.
الرئيس على مسافة واحدة من الجميع
في هذا الوقت، جددت اوساط وزارية قريبة من قصر بعبدا دعوتها الرئيس المكلف "الى الإسراع في التشكيل وفق معيار واحد، وليأتِ بتشكيلة جديدة على هذا الأساس من اجل تحريك المياه في البركة الراكدة منذ ما قبل لقاء الخميس الماضي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، حيث اتفقا على توسيع الإتصالات التي سيجريها الحريري من أجل تعديل آخر تشكيلة تقدّم بها على نحو يلبّي ملاحظات رئيس الجمهورية وملاحظات رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، بعدما التقيا على الملاحظات عينها المتصلة تحديداً بحصتي "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الإشتراكي".
وكشف مصدر وزاري مقرّب لـ"اللواء" ان الرئيس المكلف قدّم للرئيس عون في لقائهما الأخير أفكاراً حكومية جديدة، من بينها صيغة لحل العقدة الدرزية تقضي بأن يسمي اللقاء الديمقراطي وزيرين، ويُسمى الثالث بالاتفاق. وقال المصدر ان الخرق الذي حدث لم يستمر، إذ ترددت معلومات عن ان الوزير باسيل رفض العرض المقدم من الرئيس المكلف، وبالتالي توقف البحث، ولم يعقد اللقاء بين الرئيس المكلف والوزير باسيل.
وتخوف المصدر من ان يكون تأليف الحكومة دخل مع عطلة آب، في إجازة قد تتخطى عيد الأضحى، في 21 آب المقبل، لافتاً الى ان الذي يبطئ عملية التأليف عودة العقدة المسيحية إلى الواجهة، في ضوء مشكلة ما وصفه المصدر "التوريث السياسي".
واوضحت مصادر مطلعة على ملف تأليف الحكومة لـ"اللواء" ان ما سرب عن تفاوض يقوده الرئيس عون في ملف الحكومة غير صحيح وقالت انه لا يفاوض بإسم اي فريق لانه رئيس الجمهورية، ولفتت الى ان ما سرب كذلك في بعض الصحف عن اتفاق على توزيع الحقائب الوزارية غير دقيق والهدف منه احداث بلبلة في المشهد السياسي والاتصالات الجارية وخلق بالونات اختبار لرصد ردود الفعل عليها.
واكدت ان ما يتم التداول به من ان هناك شروطاً لبعض الكتل او ان الكتلة المعينة اشترطت هذه الوزارة وهذا المرشح هي امور لم يحن اوان البحث بها باعتبار ان الاتفاق الكامل على الصيغة ككل لم ينته بعد وعندما ينتهي فإن كل فريق ينال حقه وفق حجمه وتتوزع الوزارات وفق ما تقتضي مصلحة الحكومة وعمل السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة فالحقائب الوزارية ليست جوائز توزع لهذا الفريق او ذاك انما هي للانتاجية وتفعيل عمل السلطة التنفيذية.
وشددت المصادر على أن الرئيس عون على مسافة واحدة من الكتل وليس في وارد ان يضغط على كتلة معينة، فيما الكتل الاخرى لا "يمون" عليها.
واوضحت ان اي لقاء يعقد بين الرئيس الحريري والوزير باسيل هو لقاء منفصل عن لقاءات الرئيس الحريري مع رئيس الجمهورية وبالتالي فان اللقاء بين الرئيسين عون والحريري ليس ببديل عن لقاء الحريري وباسيل، مشيرة الى ان رئيس الجمهورية هو شريك في تشكيل الحكومة والحريري يطلعه على مشاورات التأليف ويتبادل معه الاراء، في حين ان اللقاء مع باسيل هو لقاء مع رئيس كتلة، ويفترض قيامه كما حصل مع سائر رؤساء الكتل ويستمع اليه.
ورأت المصادر انه في حال لم يحصل لقاء بينهما امس فانه من المستبعد قيام لقاء بين عون والحريري.
بري: ما زلنا ننتظر
وسألت "الجمهورية" رئيس مجلس النواب نبيه بري عمّا استجدّ على خط التأليف وما اذا كانت هناك ترجمة جدية لمناخ التفاؤل الذي ساد خلال الاسبوع الماضي، فأجاب: "حتى الآن لا جديد، ما زلنا ننتظر".
وكان بري جَدّد امس التأكيد امام زوّاره "انّ الوقت ينفذ، وصار اكثر من ضروري ان ندخل في التأليف، خدمة للبلد بالدرجة الاولى لمواجهة الملفات الضاغطة على كل مفاصل البلد، وخصوصاً في المجال الاقتصادي الذي يعاني أزمة لا بد من الانتباه لمخاطرها، واتخاذ كل الاجراءات لمنع تفاقمها اكثر".
وفي الوقت نفسه، علمت "الأخبار" أن الرئيس بري أسرّ أمام أقرب معاونيه، ليل أمس، بأن مسار تأليف الحكومة يزداد تعقيداً، وطلب التشاور مع بعض كبار الدستوريين حول وجود موانع تحول دون مبادرة السلطة التشريعية إلى التشريع في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال.
الحريري يواصل مساعيه والحلحلة ممكنة
وقالت مصادر "المستقبل" لـ"الجمهورية" انّ الرئيس المكلّف يواصل مساعيه على خط تشكيل الحكومة، وهو لا يضع مواعيد لولادتها، وهناك بوادر حلحلة لكنها لا تزال في بداياتها".
وجدّدت المصادر التأكيد على "لبنانية" العقد، وقالت: "لا عقد خارجية ولا قطب مخفية". ولفتت الى وجود مطالب عدة، والرئيس الحريري يحاول التوفيق بينها على نحو يكون مقبولاً من الجميع.
وعن إمكان الذهاب الى خيار "حكومة امر واقع"، ذكّرت المصادر بأنّ الحريري وضع من اليوم الاول للتكليف مبدأ عدم تشكيل حكومة الّا "حكومة وفاق وطني"، وأشارت الى انه يعمل على صيغة ثلاثينية "لكن لا مشكلة عنده في صيغة الـ 24 وزيراً اذا كان ذلك أفضل".
وعن اللقاء المنتظر بينه وبين باسيل وتعويل البعض على نتائجه، اشارت المصادر الى انّ الرئيس المكلف يلتقي جميع القوى السياسية المعنية بالتأليف بمَن فيهم الوزير باسيل، واكدت "انّ الاتصالات ليست مقطوعة مع أحد".
وعن مطالبة "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" الرئيس المكلف بوضع معيار واحد للتشكيل، أجابت المصادر: "الرئيس الحريري رئيس حكومة مكلّف يقدّم الصيغة التي يجدها مناسبة، فإذا حظيت بموافقة رئيس الجمهورية تولد الحكومة، لكن لا شيء في الدستور يتحدث عن معيار او معايير للتشكيل".
وعلمت "الأخبار" أن اتصالاً حصل بين وزير الثقافة غطاس خوري والوزير السابق الياس بو صعب، بمبادرة من الأول، الذي طلب نقل رسالة إلى باسيل مفادها ضرورة تحديد موعد لزيارة يقوم بها إلى وادي أبو جميل لاستكمال البحث من عند النقطة التي انتهى إليها لقاء رئيس الجمهورية والحريري، منتصف الأسبوع الماضي. المفارقة أن نتيجة الاتصال كانت سلبية لجهة اشتراط باسيل أن يكون الحريري قد حقق خرقاً في العقدتين القواتية والجنبلاطية، حتى إن أحد المقرّبين من باسيل أشار إلى أن العقدة القواتية قابلة للحل "لكن السؤال هو كيف سيوفّق رئيس الحكومة بين مطالب جنبلاط من جهة ومطالب التيار الوطني الحر المتمسّك بنيل حليفه طلال أرسلان أحد المقاعد الدرزية الثلاثة؟"
إزاء ذلك، علمت "الأخبار" أن الحريري طلب من فريقه الاستعداد لاحتمال انتقال جدول مواعيده من منزله في وادي أبو جميل إلى السراي الحكومي، في ظل المعطيات التي تشي بانسداد آفاق التأليف، وخصوصاً أن من سبقوه إلى رئاسة الحكومة، وتحديداً الرئيس تمام سلام والرئيس نجيب ميقاتي، بادرا إلى تصريف الأعمال من السراي.
جنبلاط: لا جديد في موضوع الحكومة
في مقابل تفاؤل الحريري وتمسّك باسيل بموقفه، لم يتبلغ كل من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي أيّ جديد على صعيد الحكومة. تُصر مصادرهما على القول لـ"اللواء" إن "كل شي واقف لأن جبران (باسيل) معنّد".
وأكدت مصادر لصيقة بالتشكيل الحكومي لـ"اللواء" أن عون أكد للحريري أن لا مانع لديه من إعطاء وزيرين درزيين لجنبلاط، على أن يسمّى الوزير الدرزي الثالث بالتشاور بين جنبلاط وعون"، الاّ ان هذه الصيغة تعتبر مرفوضة من قبل الحزب التقدمي الاشتراكي.
وفي هذا الاطار، سألت "اللواء" رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب تيمور جنبلاط، عن الجديد في موضوع الحكومة والعلاقة مع الرئيس الحريري، فأجاب قائلاً: "التواصل دائم مع الشيخ سعد، والعلاقة جيدة، ولكن لا جديد في موضوع الحكومة".
القوات: الأمور لا تزال قيد التشاور
أوضحت مصادر "القوات اللبنانية" من جهتها، لـ"الجمهورية" انّ كل ما يتم تداوله عن موافقة "القوات" على صيَغ معينة لا أساس له من الصحة، لأنّ الأمور ما زالت قيد التشاور وتبادل الأفكار، والرئيس المكلف يعكس بدقة وجهة نظر "القوات" حيال تمثيلها داخل الحكومة، وما ترفضه "القوات" قطعياً هو ان تتمثّل في الحكومة العتيدة بنفس حجم تمثيلها في الحكومة الحالية، وذلك في تجاهل تام ومطلق لإرادة الناس التي اقترعت لـ"القوات" التي خرجت بكتلة نيابية مضاعفة عن السابق وتمثيل شعبي يؤكد انّ البيئة المسيحية مفروزة إلى قوتين أساسيتين".
وذكرت المصادر "انها ممثلة في الحكومة الحالية بـ4 وزراء ومن ضمنهم نائب رئيس حكومة، فيما حجمها النيابي كان 8 نواب، وكتلتها النيابية اليوم تضم ١٥ نائباً، فضلاً عن حيثية تمثيلية واسعة، كذلك لا يمكن تجاهل دورها السياسي الطليعي في إنتاج التسوية الحالية. وبالتالي، يجب ان يجسِّد تمثيل "القوات" داخل الحكومة كل ما ذكر من عوامل واعتبارات وطنية وسياسية ونيابية وتمثيلية".
في المقابل، أشارت مصادر لـ"الأخبار" الى ان "عون قال إن كانت القوات تريد موقع نائب رئيس الحكومة، فالموضوع عندي". وبحسب المصادر، فإن "القوات لم تطالب سوى بالحصّة التي تتوافق مع المعيار الذي وضعه باسيل. وهو أن لكل 4 نواب وزير". وحتى المعيار الذي جرى التداول به، وهو النسبة المئوية للصوت المسيحي "فهو يتيح للقوات الحاصلة على نسبة 31 في المئة في الانتخابات، نيل حصة خمسة وزراء، أي ثلث حصة المسيحيين في الحكومة". وبناءً على هذا المعيار، "تتوزع المقاعد العشرة المتبقية بالتساوي بين رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، لأن نواب التكتّل هم ليسوا من صلب التيار، بل هم نواب العهد كما قال عدد منهم".
وفي الختام، إذا كان من الصعب التقدير مسبقاً كيف ستكون مواقف القوى الأساسية في اليومين المقبلين، فمن غير المستبعد أن تنحو نحو التصعيد بعد انتهاء عيد الجيش، خصوصاً من قبل القوى الأساسية التي تتحمّل مسؤولية حل العقدتين الأساسيتين حكومياً، إلا إذا حصل تطور مفاجئ في الساعات الـ48 المقبلة، يعيد الأمور إلى نصابها.