بعد مرور 70 يوماً على التكليف، تبدو الصورة وكأنها عادت إلى نقطة الصفر، لا سيّما في ما خصّ العقدتين الدرزية والمسيحية، ولعل أبرز دليل على عدم حصول أي تقدمّ في الملف الحكومي، هو عدم عقد اي اجتماع بين الرؤساء الثلاثة في القصر الجمهوري عقب الانتهاب من العرض العسكري، والاكتفاء بدردشة "على الواقف". في هذا الوقت بدت الاتصالات شبه مقطوعة بين الرئيس المكلف سعد الحريري والفرقاء المعنيين بالعقد، باستثناء اللقاء الذي عقد مساء أمس بينه وبين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
الحريري غير مستعجل
وفي هذا الاطار، اعتبرت مصادر مقربة من بعبدا لـ"النهار" إن حركة الرئيس المكلف لا توحي باستعجاله التأليف، وإنه يتعامل مع الملف ببرودة تنمي الشكوك في نيته في تأليف حكومة أو انه يتعمد التأخير لاسباب مجهولة قد يكون بعضها خارجياً.
في المقابل، أبلغ مطلعون على حركة الرئيس الحريري "النهار" ان الاخير توقف عند كلام رئيس الجمهورية ألا يكون لفريق الغلبة على الاخر، ليستمر في تواصله لتمثيل عادل فلا يعتبر فريق سياسي انه حقق انتصاراً. ومن هنا، أكد معنيون بهذه الازمة، أن كرة الحل تكمن ضمن هذا المربّع، لكن التباعد القائم بين اضلعه، وعدم تقدم اي طرف في اتجاه الآخر، يعنيان ان شروط الطبخة الحكومية لم تنضج بعد.
أربعة أسباب تعرقل التأليف
وتحدّث معنيون بموضوع التأليف لـ"الجمهورية" عن وجود صعوبة جدية في صياغة حلول ومخارج ربطاً بأربعة اسباب:
الأول، تصلّب التيار الوطني الحر ومن خلاله تكتل لبنان القوي، ومن خلفه رئيس الجمهورية، وتأكيده على وجوب التمثل في الحكومة بحصة وزارية وازنة تناسب حجمه النيابي كأكبر كتلة في مجلس النواب. وبالتالي، هي حصة تزيد عن ثلث الحكومة.
الثاني، إصرار "القوات" على حصة في الحكومة توازي حجمها المسيحي والسياسي والنيابي، ومصادرها تجدد التأكيد على رفضها القطعي بالتمثل في الحكومة الجديدة بنفس حجم تمثيلها في حكومة تصريف الاعمال الحالية، ما يعني انها لم تتراجع عن مطلب الخمس حقائب ومن ضمنها طبعاً حقيبة سيادية.
الثالث، رفض الرئيس المكلف القطعي، للوصول الى حكومة غير متوازنة، لا يتمتع فيها رئيسها بكل قوته المعنوية والسياسية، ومن هنا عدم مماشاته لأي طرح يُتوخى منه إحداث اكثريات وزارية معينة من لون معيّن داخل الحكومة، تتحكم بمصيرها، وتجعل من هذه الأكثرية، كالـ"الثلث المعطّل" مثلاً، سلاح تهديد دائم عليها. وكذلك رفض الرئيس المكلف توزير اي شخصية سنية، خارج مظلته او فريقه السياسي، وخصوصاً ممن يسمون سنّة المعارضة. وهنا ينقل احد نواب كتلة المستقبل عن الحريري قوله امام اجتماع الكتلة الاسبوعي ما مفاده انّ الرئيس المكلف لا يمانع بأن يضم رئيس الجمهورية شخصية سنية الى الحصة الرئاسية، الا أنه إن وافق على توزير اي سني خارج اطار المستقبل، فعندئذ سعد الحريري في الحكومة لا يكون سعد الحريري.
الرابع، تشدد جنبلاط في مطالبته بحصر التمثيل الدرزي في الحكومة بالحزب التقدمي الاشتراكي، وعدم الموافقة بشكل قاطع على ما تقول مصادر قريبة انه "فرض لشراكة درزية على جنبلاط من خارج البيت الدرزي، كمثل ما يسعى اليه التيار الوطني الحر بفرض توزير النائب طلال ارسلان عبر استحداث كتلة نيابية وهمية نوابها اعضاء في تكتل لبنان القوي، ما يعني انّ هذا التكتل يأخذ بالجملة بالنسبة الى حصته، ويأخذ بالمفرق من خلال هذه الكتلة المصطنعة".
واللافت هنا، ما تشير اليه مصادر قريبة من الرئيس المكلف، بأن الحريري اكد امام نواب في تيار المستقبل، انه على الخط الحكومي "لن أقبل ابداً بأن يُهزم وليد جنبلاط، ولست انا وحدي في هذا الأمر بل غيري ايضاً". في اشارة غير مباشرة الى الرئيس بري، وهو ما تؤكده مصادر نيابية اشتراكية.
لقاء الحريري- جعجع
الاّ ان البارز أمس كان اللقاء الذي جمع الرئيس المكلف ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والذي أتى غداة اللقاء بين بري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في عين التينة، وشكّل فيه الوضع الحكومي عنوان البحث الاساسي فيه. وفيما بقيت خطوط التواصل مقطوعة بين الحريري وباسيل، ردّ عاملون على مطبخ التأليف السبب الى انّ "من يتصل اولاً، فكلاهما ينتظر الآخر لأن يبادر الى الاتصال به".
وفي حين لم يرشح شيء عن اللقاء، ولم يصرّح أحد من المجتمعين، وضع مصدر مطلع الزيارة في اطار الاتصالات التي يقوم بها جعجع، مشيراً الى انه سيوفد اليوم وزير الاعلام ملحم رياشي الى قصر بعبدا، ناقلاً موقف "القوات" من العروضات الوزارية الأخيرة، لا سيّما وان مصادر مقربة من "القوات" أشارت إلى احتمال انها تكون خفضت من سقف مطالبها، إذا رأت ان الأمور تتجه إلى الحلحلة.
وعلمت "اللواء" من مصادر اشتراكية و"قواتية" ان أي تقدّم لم يحصل وان الأمور مكانك "راوح".
بري: الأمور غير ناضجة
ونقل زوار بري لـ "الحياة" تأكيده ضرورة الحوار والتواصل بين كل القوى السياسية للإسراع في تشكيل الحكومة، معتبراً أن "الأمور لم تنضج بعد لنقول أننا أصبحنا على مشارف الحل". ونقل زوار بري عنه أن باسيل أبلغه "أننا إيجابيون والتعقيدات ليست عندنا ولكن لا مانع من اللقاء مع أي كان إذا كان ذلك سيحقق أي خرق في الأزمة وعقدها ليست عندنا بالتأكيد". وقال بري أنه "أوفد معاونه الوزير حسن خليل بعد لقائه باسيل، لوضع الرئيس الحريري في الأجواء الإيجابية التي سمعها في هذا الشأن، وأن الأمور يجب أن تذهب في الاتجاه الإيجابي وأن نفعّل الحوار لتفكيك العقد أياً يكن حجمها".
وأوضح بري للنواب وفق قول بعضهم لـ "الحياة"، أن الحريري "أبلغ الوزير خليل أنه يقوم بدوره، ولكن على الجميع أن يتحمل المسؤولية".
عتب غربي
مصادر وزارية كشفت لـ"الجمهورية" ان مراجع سياسية وديبلوماسية غربية نقلت الى مستويات رفيعة في الدولة "عتباً"، على إيحاء بعض الجهات السياسية بدور لبعض الدول الغربية في تأخير تأليف الحكومة.
وبحسب مصادر "الجمهورية" فإنّ التقارير الواردة من العديد من الدول الاوروبية تعكس تشجيعاً للبنان على حفظ استقراره والمضي بحياته السياسية بشكل طبيعي، وهذا يتأمّن بالدرجة الاولى عبر الاسراع في تشكيل حكومة. واللافت في هذا السياق ما نَقله عائدون من باريس، من اجواء تفيد بأنّ السلطات الفرنسية تتابع الوضع اللبناني، وتأمل بأن يتمكن لبنان من تشكيل حكومته في اسرع وقت ممكن، فثمة خطوات ضرورية لا بد من الاقدام عليها وتندرج في سياق متابعة ما بُدىء به في مؤتمر باريس (سيدر). وبحسب هؤلاء العائدين فإنّ نصائح بهذا المعنى تم إرسالها الى المسؤولين في لبنان، بأن من الضروري تشكيل حكومة وهذا امر بأيدي اللبنانيين.