هي واحدة من أخطر الآفات التي تعمل الدول على محاربتها بشكل يومي لتطهر مجتمعاتها. مرض إجتماعي يودي بصاحبه وبمن حوله إلى التهلكة. إنها المخدرات التي تتعامل معها الدول بكثير من الرقابة والقوانين الصارمة درءاً لآثارها الخطيرة على الأمنين الاقتصادي والاجتماعي. Advertisement لبنان لا يشذّ عن هذه القاعدة. هو من الدول التي سنّت قوانين تعاقب مروجي ومتعاطي المخدرات، وهو عضو في أكثر من اتفاقية دولية في هذا الشأن. صحيح أن مروحة الفساد تطال كل شيء، لكن الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية تعمل بكل طاقتها، وبطواقم محدودة الأدوات التقنية، للوصول إلى مجتمع خال من المخدرات. فقد أظهرت إحصائية صادرة عن "الدولية للمعلومات"، مستقاة من "مكتب مكافحة المخدرات المركزي"، ارتفاع عدد قضايا المخدرات منذ العام 2012 بشكل مهول ومخيف. فمن 1940 قضية في العام 2012، إنتهى العام 2016 بنحو 12407 قضية أي ما يعادل خمسة أضعاف. يدل هذا الأمر على فعالية مكتب مكافحة المخدرات، لكن في الوقت ذاته، يمكن اعتباره مؤشراً خطيراً على مستوى الأزمات الاجتماعية في لبنان، وما يسببه من تفشي آفة تعاطي المخدرات. من الحشيشة إلى الكوكايين والهيرويين وصولاً إلى الحبوب المهدئة والأثير (المواد التي تتبخر عند تعرضها للهواء وتدخل في عداد المخدرات مثل مادة التينر وغيرها)، ارتفعت نسبة المتعاطين إلى 77% في العام 2016 عما كان عليه قبل ذلك التاريخ بأربع سنوات حيث بلغ عام 2012 65% من جملة الاشخاص المقبوض عليهم بقضايا المخدرات. الاحصائية بينت أيضاً أن النسبة الاكبر من المقبوض عليهم هم من الجنسية اللبنانية، على عكس ما يحب البعض ترويجه من تحميل المسؤولية في مشاكلنا الى غير اللبنانيين. ففي العام 2016 ومن بين 4709 شخصاً كان بينهم نحو 84% من اللبنانيين. ويضاف الى ذلك ارتفاع نسبة الذكور بنحو 98% من الذين يتعاطون المخدرات. هذه الارقام المخيفة تدفعنا الى طرح الكثير من الاسئلة حول أمن المجتمع اللبناني، ومنها، لماذا ارتفعت نسبة المتعاطين إلى هذا الحد؟ هناك الكثير من الاجوبة عن هذا السؤال، ليس أقلها غياب الأمل واليأس عند اللبنانيين. مردّ ذلك إلى ضغوط الحياة اليومية والاستغلال والبطالة وانعدام الأمن، ومحاولة الامساك "بقشة" تنسي صاحبها بؤسه. ليست غاية هذا الجواب ايجاد أعذار للمتعاطين قطعاً، لكن ما ذكرناه هو جزء من أسباب التعاطي. لكن هذا لا يجب أن ينسينا أيضاً أن هناك من يراكم ثروات بملايين الدولارات من تجارة المخدرات. وهؤلاء غالباً ما يعرفون كيف يحمون أنفسهم. فهم يدخلون المخدرات أو يصنعونها ويروجونها من دون أن يطالهم القانون والعقاب، (عبر الرشاوى وغيرها). لكن الكارثة تتمثل في دفعهم الشباب الى الجريمة والسرقة ليحصلوا على المال الذي يمكنهم من شراء المخدرات. لكن تعاطي المخدرات صار حالة عامة حيث يطال الاثرياء أيضاً، ودوافع تعاطي هؤلاء حتماً مختلفة، حيث تندرج في سياق ضياع الهوية والمشاكل النفسية وأحد وجوه الحياة "الهاي". لكن يكمن الفرق في أن المتعاطي الثري عند القبض عليه يخرج بطريقة ما الى الحرية في حين أن متعاطين فقراء يقبعون في السجون لان ليس هناك من يحميهم. علماً أنهم يخرجون من السجن اكثر سوءاً من قبل، في حين انهم يحتاجون العلاج والتوعية الى جانب العقاب القانوني. ثمة مؤسسات تعمل قدر الامكان على التوعية. وهناك بعض الحملات التي تطلقها أيضاً الجهات الرسمية المختصة. لكن هذا حجر بسيط في خابية ليست موجودة. وهي تطبيق القانون على الجميع. أي ان نجعل مروج المخدرات يعيش الرعب نفسه من السجن الذي يخاف منه المتعاطي. وكذلك تلف الحشيش الذي جعل بعض الأماكن في مناطق لبنانية مسرحاً لتصفية حسابات بين العصابات.