كتب غسان ريفي في "
سفير الشمال": لم ينل شهداء الاستقلال في طرابلس الذين سقطوا في 13 تشرين الثاني عام 1943 تحت جنازير دبابات جيش الاستعمار الفرنسي في أحياء المدينة غداة إعتقال الزعماء اللبنانيين في قلعة راشيا حقهم، حيث لم يرتق الاعتراف بتضحياتهم الى المستوى الذي يستحقونه أقله لجهة تخليد ذكراهم بنصب تذكاري في إحدى ساحات الفيحاء، خصوصا أنهم قدموا دماءهم من أجل تحقيق هذا الاستقلال وتحقيق الجلاء، ولم يحصلوا هم أو عائلاتهم على أية مكاسب.
لا شك في أن ما قامت به بلدية طرابلس في عهد الرئيس السابق الدكتور نادر غزال لجهة وضع لوحة تذكارية بأسماء الشهداء عند مدخل مقبرة الشهداء في باب الرمل، ووضع إكليل من الزهر أمامه في كل عيد إستقلال منذ عام 2010، هو كشف للنقاب عن نضالاتهم وتضحياتهم، لكنه يبقى أضعف الايمان، تجاه من قدم حياته فداء لاستقلال وطنه، خصوصا أن التظاهرة التي إنطلقت يوم 13 تشرين الثاني 1943 من دار التربية والتعليم الاسلامية، والمجزرة التي إرتكبها الجنود السنغاليون بدباباتهم ومجنزراتهم بأوامر من الضباط الفرنسيين بحق المتظاهرين، شكلت عامل ضغط أساسي على الحكومة الفرنسية، وساهمت الى حد كبير في تسريع إعلان إستقلال لبنان الذي عُمّد بدماء شهداء طرابلس.
وبالرغم من هذا التكريم السنوي الرمزي، إلا أن كثيرا من أبناء المدينة ينتقدون التعاطي الرسمي مع هؤلاء الشهداء الذين يصعب الوصول الى مقابرهم المهملة التي تغطيها الأعشاب حتى تكاد تخفيها، والمحطمة شواهدها ما أدى الى إندثار أسمائهم، الأمر الذي يتطلب إعادة ترميم هذه المقابر وتسويرها بما يسهّل زيارتها، فضلا عن إختيار ساحة من ساحات المدينة لاقامة نصب تذكاري يخلد أسماء الشهداء الذين تناستهم الادارات الرسمية، ويؤكد شراكة طرابلس في صنع الاستقلال على مستوى الزعامة السياسية المتمثلة بالزعيم عبدالحميد كرامي، والتحركات الشعبية التي قدمت 14 شهيدا من أبناء المدينة.
وكان المناضل توفيق سلطان عمل منذ العام 1963 من أجل تخليد ذكرى هؤلاء الشهداء، وما يزال حتى الآن، حيث يقترح إقامة نصب تذكاري يحمل أسماءهم في المكان الذي حصلت فيه المجزرة أي عند مدخل شارع المصارف من جهة ساحة السلطي.
قصة الاستقلال في طرابلس
تقول المعلومات التاريخية أن الطرابلسيين فوجئوا يوم الجمعة في 12 تشرين الثاني عام 1943 بقيام جيش الاستعمار الفرنسي باعتقال الزعيم عبد الحميد كرامي من مزرعته في مرياطة، وإقتياده الى سجن قلعة راشيا حيث يعتقلون رجالات الاستقلال. فتجمع المواطنون في الجامع المنصوري الكبير الذي غصّ بالحشود في الداخل والخارج إحتجاجا على ما أقدم عليه الفرنسيون، مطالبين بالافراج الفوري عن كرامي ورفاقه وإعلان إستقلال لبنان.
وفي اليوم التالي أي السبت في 13 تشرين الثاني خرج طلاب دار التربية والتعليم الاسلامية وتجمعوا في مسجد الأمير سيف الدين طينال، وإنطلقوا من هناك بتظاهرة حاشدة جابت شوارع طرابلس مرورا بـ "حي النصارى" حيث تقع مدرسة الفرير، فسارع عدد من الأساتذة والمربين وعلى رأسهم فؤاد الولي ومحيي الدين مكوك الى تغيير وجهة سير التظاهرة خوفا من الاحتكاك بالجنود الفرنسيين الذين كانوا يعسكرون في خان العسكر في محلة الدباغة، فتوجهت التظاهرة الى ساحة التل ومنها الى شارع المصارف وساحة السلطي حيث كانت الدبابات والمجنزرات الفرنسية بانتظارها على أرصفة الطرقات، ويقودها جنود سنغاليون تلقوا أوامر من ضباطهم الفرنسيين بالتحرك نحو الطلاب وهم جميعهم من الاطفال لا يتجاوز عمر اكبرهم 15 سنة، وبالفعل واجهت الدبابات الفرنسية المتظاهرين وداست أجسادهم مرتكبة مجزرة مروّعة ومشهودة، حيث إستشهد 14 طالبا وجرح أكثر من 25 آخرين.
وتشير المعلومات الى أن ولدا للحاج ظافر الخطيب (أحد شخصيات طرابلس المعروفة) نام في وسط الطريق تحت إحدى الدبابات ومرت من فوقه دون أن تدوسه ونجا من الموت باعجوبة، كما لاحقت إحدى الدبابات طفلا من عائلة هاجر وحشرته أمام أحد الجدران وبترت يده.
الشهداء
حصدت الدبابات الفرنسية بتاريخ 13 تشرين الثاني عام 1943، 14 شهيدا من اطفال وفتيان طرابلس التي شهدت في اليوم التالي مسيرة تشييع غاضبة إنطلقت من الجامع المنصوري الكبير حيث صلي على جثامين الشهداء، وخطب فيها القاضي الشيخ عبداللطيف زيادة، ووري الشهداء الثرى في مدافن الشهداء في باب الرمل وهم: سليم صابونة، أحمد صابر كلثوم، رشيد رمزي حجازي، فوزي قاسم شحود، محمد ثروت، عبدالغني أفيوني، عباس إبراهيم حبوشي، محمد علي حسين خضر، عبد القادر مصطفى الشهال، كمال عبد الرزاق ضناوي، وديع خاطر بركات، أحمد جوجو، محمد حسين المحمد، وسليم الشامي.