طوى القضاء العسكري قضية شغلت الرأي العام اللبناني منذ مطلع العام 2018، وهي "فبركة ملف التعامل مع إسرائيل" للممثل المسرحي زياد عيتاني والتي أوقفت بسببها رئيسة مكتب الجرائم المعلوماتية المقدم سوزان الحاج لمدة 87 يوماً بجرم "التدخل في الفبركة"، فيما أسند للمقرصن إيلي غبش، الموقوف منذ 27 شباط من العام الماضي، جرم "اختلاق جرم التعامل لعيتاني عبر تقديم دليل الكتروني وهمي ومفبرك".
وأصدرت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد حسين عبدالله حكمها بالأكثرية على الحاج، وقرّرت إبطال التعقبات بحقها من جرم التدخل بفبركة ملف التعامل لعيتاني لعدم توفّر عناصره، وأدانتها بجرم كتم معلومات وأنزلت بها عقوبة الحبس مدة شهرين (قضت العقوبة) مع غرامة 200 ألف ليرة. وقضت المحكمة بالإجماع بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات بالمقرصن غبش وخفّفتها الى السجن لمدة سنة، وقرّرت ردّ الدفوع الشكلية المقدمة من وكيل الدفاع عن الحاج لكونها دفوعاً في الأساس.
الساعة الحادية عشر ظهراً، مثُل غبش بثياب سوداء اللون (قال أنّها تجلب له الحظ) أمام هيئة المحكمة والى جانبه المقدم الحاج ببذّتها العسكرية، وكان لافتاً حضور مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، كما حضر وكلاء الحاج النقيب رشيد درباس ومارك حبقة وزياد حبيش، ووكيل ايلي غبش المحامي جهاد لطفي.
في مستهلّ الجلسة توقّف رئيس المحكمة عند التقارير الإعلامية التي سلّطت الضوء إثر الجلسة الماضية، على الأموال التي دفعها جهاز أمن الدولة للمتهم غبش، وأوضح أنّ "الأجهزة الأمنية لديها مخصصات مالية لتدفع منها للمخبرين مقابل الحصول على معلومات، خصوصاً في قضايا التعامل وجرائم الإرهاب". وقال: "لا شكّ أن ما تدفعه الأجهزة الأمنية اللبنانية للمخبرين، هي أرقام متواضعة جداً مع ما تدفعه أجهزة دول أخرى في هذا المجال".
ثم قدّم القاضي بيتر جرمانوس مطالعته في الملف، فتحدث بداية عن ظروف توقيف الممثل زياد عيتاني من قبل أمن الدولة، وأن هذا التوقيف جاء وفقاً للقانون، وفصّل كيفية اعتراف الأخير بجرم لم يرتكبه، وتطرق الى إحالة عيتاني على قاضي التحقيق الأول رياض أبو غيدا حيث أنكر أمامه علاقته بالتجسس، لافتاً الى أن أبو غيدا سطر استنابة الى فرع المعلومات للتوسّع بالتحقيق حيث تبيّن أن ملف عيتاني مفبرك. وأشار الى أن "جهاز أمن الدولة كان يراقب عيتاني من خلال تغريدتين له على "تويتر" إحداها اثر توقيف الممثل زياد دويري، وأخرى عبّر فيها عن عدم معارضته التطبيع مع إسرائيل"، لافتاً الى أن "أول من تحدث عن فبركة ملف عيتاني هو اللواء اشرف ريفي، عندما أعلن أن المقصود بهذه الفبركة مستشاره الإعلامي زياد عيتاني وليس الممثل المسرحي".
وتطرق القاضي جرمانوس الى مسيرة غبش حيث كان عنصراً في الجيش اللبناني وتحديداً في القوات البحرية، وعمل لدى العديد من الأجهزة الأمنية واصفاً إياه أنه شخصية أمنية بامتياز، واستطاع أن يستثمر خبرته في التكنولوجيا، مشيراً إلى أنّ غبش فبرك خمسة ملفات تعامل لأشخاص، وهو يستسهل فبركة ملف العمالة للناس، ولديه أهداف مالية ويعمل مع الأجهزة الأمنية على القطعة من أجل الكسب المادي".
وفيما يتعلّق بالمقدم الحاج، فقد فجّر القاضي جرمانوس مفاجأة غير متوقّعة عندما طلب كفّ التعقبات عنها، وأوضح أن غبش اختلق فكرة الجريمة وعرضها على أمن الدولة، ولاحقاً على سوزان الحاج، وهذا لا يعني توفر عناصر جرم تدخل المقدم سوزان الحاج في الجريمة، لأنها لم تعط غبش المال ولم تطلع على تحضير ملف التعامل للممثل عيتاني، وبأسوأ الأحوال يمكن القول أنها كانت متفرجة غير محترفة"، وخلص الى الطلب من المحكمة انزال أشد العقوبات بحق غبش وكفّ التعقبات عن الحاج لعدم وجود جرم واستطراداً إعلان براءتها .
بعدها ترافع وكيل غبش المحامي جهاد لطفي، فاعتبر أن الفعل الذي أقدم عليه موكله لا يشكل جرماً لأن لا جرم بدون نصّ، وركز على "اعترافات زياد عيتاني بتعامله مع الإسرائيليين عبر سيدة تدعى كوليت، وأن هذا الاعتراف جاء من دون ضغط". وأشار الى أن موكله "ارتكب جريمة افتراضية، لم تحصل أصلاً". وطلب اعلان براءته من جرم فبركة ملف العمالة لانتفاء الركنين المادي والمعنوي وإلا الإكتفاء بمدة توقيفه.
ثم ترافع وكيل الحاج النقيب درباس، فرأى أنّ "التدخل في جرم الافتراء الجنائي المنسوب الى المقدم الحاج، لا يكون افتراضياً، لأن مجرد المعرفة بارتكاب جريمة لا يشكل جريمة". وأكد أن "كل المعطيات الفنية تؤكد وتثبت أن موكلتنا أبلغت لاحقاً بتجهيز ملف وشبهة بحق زياد عيتاني، ولم يكن لديها أي علم مسبق بالأمر، ولم تقدم على أي نشاط أو مساعدة بالملف، وبالتالي لا تحاسب عن أفعال ارتكبها غيرها". وخلص الى طلب إعلان كف التعقبات عنها لانتفاء جرم الإفتراء الجنائي، وانتفاء الركنين المادي والمعنوي للتدخل بجرم الافتراء الجنائي وغياب القصد الجرمي واستطراداً اعلان براءتها مما نسب اليها كلياً.
ثم ترافع المحامي مارك حبقة فطلب كف التعقبات عن الحاج، كما تبنى المحامي زياد حبيش ما رود في مرافعتي زميليه، وأعطي لكلام الأخير للمقدم الحاج وغبش فطلبا كفّ التعقبات والبراءة.