تحت عنوان: "الناجحون عبر مجلس الخدمة المدنية: ضحايا العيش المشترك!"، كتبت راجانا حمية في صحيفة "الأخبار": يتداول الناجحون في المباريات التي يجريها مجلس الخدمة المدنية لصالح الوزارات والإدارات العامة نكتة عن زميلٍ لهم نجح وحيداً في مباراة لوظيفة في ملاك وزارة الأشغال العامة والنقل - المديرية العامة للطيران المدني (رئيس مصنع، فئة رابعة ـ رتبة ثانية/فني). يتهكم هؤلاء على "الوحيد" الذي صدر فيه مرسوم تعيين ولم يوقّع بعد، كونه لن يجد من يقف في مقابله من "الطائفة الكريمة" الأخرى كي يلتحق بوظيفته. تشرّح هذه "النكتة" واقعاً مأزوماً ومقزّزاً، يضع ناجحاً بكفاءته في امتحان مجلس الخدمة، أمام امتحان آخر لن يجتازه: 6 و6 مكرر.
في تلك الوظيفة ثمة متبارٍ واحد مطلوب. رئيس مصنع. صودف أن الناجح، واسمه نبيل حسين ابراهيم، هو من "الطائفة الكريمة" المسلمة. صدر مرسوم تعيينه عن مجلس الخدمة المدنية ولم يوقّع إلى الآن. ثمة عجز هنا عن إيجاد جوابٍ عن سؤال: ما هو الحل في مثل هذه الحالة؟ هل يوقّع مرسومه إن استبدل مجموعة من أعضاء جسمه بأخرى من جسم متبارٍ مسيحي؟ المشهد سوريالي، صحيح، ولكن هذا ما تحتاج إليه "الميثاقية" على ما يبدو. هذه الميثاقية، نفسها، التي تعطّل اليوم 10 مراسيم لناجحين بكفاءتهم في مجلس الخدمة المدنية بسبب بدعة التوازن الطائفي، وعلى عين المادتين 12 و 95 (الفقرة ب) من الدستور، "الكتاب المقدّس" للدولة اللبنانية. فالأولى تكفل حق "كل لبناني في تولي الوظائف العامة ولا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون"، أما الثانية فقد كانت حاسمة في ما يخص التحرير من "القيد الطائفي" في الوظائف العامة، ما دون الفئة الأولى، إذ "تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والامنية والمؤسسات العامة والمختلطة (...)".
رغم تلك المواد القانونية المتحررة من عقدة الستة وستة مكرر، يعطّل المعنيون في السلطة، وهم كلّهم من ممثلي الطوائف وفق الدستور اللبناني، حقاً يكفله هذا الأخير لـ938 ناجحاً عبر مباريات مجلس الخدمة المدنية. تنال تلك المراسيم توقيع مجلس الخدمة المدنية، ولكن بسبب حجة التوازن تنام في سراديب المعنيين باستكمال جولة التواقيع، ما بين مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية ووزارة المال والوزارات المعنية بالوظائف.
في جردة على المراسيم العشرة، يبدو مجلس الوزراء أكثر من «يخشى» على تلك الميثاقية، فجلّها مرمي هناك. أول من أمس، هبّ "الغيورون" على العيش المشترك ـ في الوظائف لا على أرض الواقع ـ في مواجهة الفقرة المضافة إلى المادة 79 من الموازنة والتي "تحفظ حق الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بناء على قرار مجلس الوزراء»، علماً بأن ذلك التعديل نال موافقة الهيئة العامة لمجلس النواب وصار بحكم المبرم. وكان وزير الخارجية والمغتربين، جبران باسيل، أوّل «مارد» يخرج من القمقم، معلناً رفضه لهذا البند، بالقول "فلتسقط الحكومة إذا كان الأمر كذلك".
كان يمكن أن يمرّ تصريح باسيل، ولكن… قبل اتفاق الطائف، حين كانت تصدر النتائج عبر مجلس الخدمة المدنية، معلنة "الأوائل لكل طائفة". أما بعد الطائف، وتحديداً منذ عام 1993، فقد جرى الاتفاق على أخذ الناجحين في المباريات بحسب تسلسل درجات النجاح. اليوم، ثمة من يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. أن نفرز الناجحين، كلما أجريت مباراة، «ما بين هنود حمر وهنود صفر، وتحديد أي نوع من الهنود نجح»، يقول رئيس دائرة الموظفين في مجلس الخدمة المدنية، أنطوان جبران، متهكّماً.
القصة في المراسيم ليست قصة تبارٍ بين جماعة الستة والستة مكرّر. بل قصة دولة تخالف دستورها. الناجحون هم أصحاب حق يكفله الدستور والقوانين. "نقطة انتهى"، يقول جبران. لذلك، الدولة هنا "ليست حرّة في أن توافق أو لا توافق... هناك مرسوم يفترض أن يطبّق". يسرد جبران القصة من أوّلها، "من لحظة إعلان الوزارات والمؤسسات العامة حاجتها إلى ملء الشواغر، بعدها يُعِدّ مجلس الخدمة المدنية لائحة بالمراكز الشاغرة ويرسل طلبه إلى مجلس الوزراء الذي يصدر قراراً يوافق فيه على ملء الشواغر عن طريق مباراة يجريها مجلس الخدمة». ثمة أساس هنا هو «مصداقية مجلس الوزراء»، إذ لا يستطيع مخالفة قراره السابق إلا "بقرار يأخذه مجتمعاً".
ولكن، بذلك تضرب "ركيزته الأساس". يحسم جبران: "كل مرسوم أخذ موافقة من مجلس الخدمة المدنية لا يمكن لأحد أن يمنع إصداره". لا جدال في ذلك. أضف إلى ذلك، ثمة نقطة أساسية تفوت كثيرين، عن قصدٍ أو عن غير قصد، وهي أن هذه المباريات هدفها ملء الشواغر في الوظائف العامة، وليست تحصيل التوازنات.
أما في حال الإصرار على ذلك التوازن المعفاة منه قانوناً الفئات الوظيفية ما دون الأولى، فيمكن في حالة المراسيم العشرة العودة إلى أصل الحكاية. إلى «هوية» المرشحين لخوض المباراة في مجلس الخدمة المدنية. فجل المتقدمين إلى تلك الوظائف هم من المسلمين، فيما المسيحيون يبقون "أقلية"، رغم دورات التوعية التي ينظمها الأب طوني خضرا، رئيس مؤسسة «لابورا». هذه الهوية هي لزوم الشفافية تجاه الميثاقية. والأمثلة كثيرة، ليس أولها وزارة الأشغال العامة ـ المديرية العامة للطيران المدني/الفئة الرابعة (تقدم إلى المباراة 1800 متبارٍ، بينهم 130 مسيحياً فقط)، مروراً بحراس الأحراج التابعين لوزارة الزراعة (200 مسيحي من أصل 1600 متبارٍ) وليس انتهاء بالتعليم الثانوي (2000 مسيحي من أصل 10000 متبارٍ)، والمحاسبون في الإدارات العامة وأمناء الصندوق في وزارة الاتصالات وغيرها الكثير.
هذه ليست سردية. هي الواقع الذي يحكم البلاد بطولها وعرضها. وما يقال عن أن "الحق ما بيضيع عند الدولة" بات أشبه بالمزحة السمجة، كما أن المقولة التي تحملها بطاقة الترشيح إلى المباراة والتي تقول "تأكّد إنو كفاءتك وحدا اللي بتوظفك" لم تعد هي تأشيرة العبور. اليوم، كل ناجح بوظيفة في مباراة عبر مجلس الخدمة المدنية، هو مشروع "سارح بالاعتصامات"، على ما يقول هؤلاء. والسؤال هنا: إلى كم اعتصام يحتاج هؤلاء كي يلتحقوا بوظائفهم التي كفلها لهم القانون والدستور؟
يُحرم 938 ناجحاً من حقهم في الوظائف، فيما تعجّ الدولة بالمتعاقدين والعاملين الآخرين بمسميات وظيفية طارئة من «المستعان بهم» إلى "مقدمي الخدمات" إلى غيرها من المسميات لزوم "التنفيعات"… إلى الـ5000 موظف الذين سقطوا ذات انتخابات على الوظائف العامة. المقصود من كل ذلك هو "إفراغ الدولة"، يقول جبران. وبحسب الأخير، "الإدارات لا تملأ إلا وفق الأصول، أما بغير ذلك، فما تقلي بدك تحارب الفساد". برأيه، "الفساد يحارب بإدارة مش فارغة". بل "بتوقيع مرسوم المفتشين المعاونين التربويين الـ30 وغيرهم"، مسترجعاً الحديث عن موظفي الفئة الثانية المعطلة مراسيمهم أيضاً، علماً بأنه «إذا راجعتم التاريخ منذ العام 1920، لم يوضب مرسوم واحد لموظفي الفئة الثانية".
10 مراسيم عالقة، بعضها تعود نتائج مبارياته إلى العام 2014 . خمس سنواتٍ مرّت، فيما الناجحون عاطلون من العمل، إذ إنهم أجبروا على ترك وظائفهم التي كانوا فيها لأنهم باتوا "موظفين" في إدارة رسمية!