كتب غسان ريفي في "
سفير الشمال": قبل أيام وخلال جلسة مناقشة الموازنة إنسحب الرئيس نجيب ميقاتي منها معلنا أنه "طفح الكيل"، وذلك ردا على محاولات إستهداف مؤسسات بتخفيض ميزانياتها دون سواها، وهي في معظمها تتبع الى رئاسة الحكومة..
بالأمس ترجم ميقاتي في حديث للمؤسسة اللبنانية للارسال معنى عبارة "طفح الكيل"، حيث دق جرس المعارضة داعيا الجميع الى الانتباه، فأطلق تحذيرات من مغبة الاستمرار في بعض الممارسات التي تحاول النيل من رئاسة الحكومة ومن صلاحياتها، محاولا التصويب للتصحيح، فإذا حصل التصحيح كان به، وإذا لم يحصل فإن التصويب سيتحول الى معارضة للعهد قد تستقطب العديد من التيارات السياسية الأخرى..
يمكن القول إن ميقاتي أطلق معركة مواجهة ضرب الدستور اللبناني وتجاوز صلاحيات رئيس الحكومة، مذكرا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بكثير من "الرقيّ السياسي" أنه "المعني الأول بحماية الدستور والحفاظ عليه كونه أقسم اليمين على ذلك، وأنه لا يجوز أن يكون طرفا بين اللبنانيين، بل هو رئيس البلاد الذي نجل ونحترم والحكم بين الجميع"، ليرسم ميقاتي بذلك خطا أحمر تجاه كثير من الاجتهادات التي يقوم بها البعض لتعديل إتفاق الطائف بالممارسة وبإدخال أعراف جديدة عليه، مؤكدا أن “رئيس الحكومة هو رأس السلطة التنفيذية المؤتمن عليها وعلى مؤسسات الدولة، وهو من يدعو الحكومة الى الاجتماع ويضع جدول الأعمال وأن يناقشه مع رئيس الجمهورية الذي لديه الحق بأن يطرح مواضيع من خارج جدول الأعمال شرط أن يكون ذلك بالتشاور والتوافق مع رئيس السلطة”، وذلك في إشارة واضحة الى أهمية إحترام المؤسسات والفصل بين السلطات والحفاظ على هيبة كل منها بما يضمن الانتظام العام والاستقرار السياسي في البلاد.
موقف الرئيس ميقاتي ذكّر اللبنانيين أمس، بمواقف وسلوك الرئيسين الشهيد رشيد كرامي والراحل صائب سلام وحرصهما الدائم على تصويب آداء رؤساء الجمهورية، ومعارضتهم عندما كان بعضهم يحاول إبتلاع صلاحيات الرئاسة الثالثة، حيث كان الشهيد كرامي حاضرا للوقوف الى جانب الرئيس سلام في حال تعرض لأي إعتداء أو ضرب لصلاحياته والعكس صحيح، وصولا الى معارضة ومواجهة رئيس الجمهورية في حال أصر على بعض المواقف التي تنال من هيبة الرئاسة الثالثة، وبالرغم من خلافات الرجلين، إلا أنهما نجحا من خلال سلوكهما التعاضدي في الحفاظ على هيبة وحضور رئاسة الحكومة حتى قبل ولادة إتفاق الطائف.
لا شك في أن الرئيس ميقاتي يؤدي اليوم الدور نفسه مع الرئيس سعد الحريري، من خلال تشكيل خط الدفاع الأول عن رئاسة الحكومة وصلاحياتها، وفي إعطاء القوة والدعم والزخم للقاء رؤساء الحكومات السابقين الداعمين لرئيس الحكومة العامل، ما يجعله يتعرض لكثير من الاستهداف والافتراءات والاتهامات التي ما تلبث أن تتحول الى “سراب” بعد إنكشاف أسبابها وأهدافها وتوقيتها..
في كل الأحول فقد عبر الرئيس ميقاتي أمس عن موقف الشارع اللبناني بكل أطيافه والذي لم يعد قادرا على تحمل المناكفات التي تشل عمل الحكومة والدولة ومؤسساتها وخدماتها، وهو تحدث بمنطق "رجل الدولة" الغيور على المصلحة الوطنية، والذي يتجاوز أي توجه طائفي أو مذهبي أو شعبوي الى الموقع الوطني، حيث قدم قراءة دستورية واضحة، من المفترض أن تشكل خارطة طريق لبناء الدولة وتنظيم عمل مؤسساتها، كما حرص على عدم إصدار أية أحكام مسبقة أو لاحقة، بل إكتفى بوضع توجهات محددة، وترك الباب مفتوحا للحوار والتوافق لعدم الوصول الى أي صدام أو صراع لن يكون في مصلحة أي طرف من الأطراف.
في خلاصة القول، فإن الرئيس ميقاتي وجه رسالة شديدة اللهجة رسم من خلالها سقفا سياسيا عاليا، واضعا العهد أمام خيارين فإما أن يصار الى التوقف عن محاولات تجاوز الدستور وإستهداف رئاسة الحكومة، وإلتزام الفصل بين السلطات وإحترام صلاحيات كل منها، أو أن باب المعارضة سيُفتح، وعندها سيكون هناك العديد من الأطراف السياسية مستعدة للعبور منه..