يتداول نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي منذ أمس الأربعاء صوراً قالوا إنها لنجل أحد النواب، وهو ينتظر دوره في الصف المخصص للمسافرين في مطار بيروت.
الخبر الذي نشرته مواقع الكترونية أيضاً، كان سبب بثه هو الإشارة الواضحة، ومن دون أي مواربة، إلى أن الحدث يستحق النشر، وهو وقوف نجل الزعيم كما باقي المواطنين العاديين، في صف المسافرين نفسه. و"تضحيته" بامتياز يسمح له بتجاوز كل الإجراءات الأمنية التي يخضع لها باقي المسافرين، وهو ما يتوافر له ولأبناء السياسيين والمتنفذين في لبنان.
حسناً، هذه ليست المرة الأولى التي نقرأ أو نشاهد فيها هكذا صنف من الأخبار. وإذا تخطينا احتمال أن ما جرى قد يكون مقصوداً ومُتفقا على ترتيباته من قبل، كما استساغ البعض الوصف والتحليل، إلا أننا مجبرون على احترام ما قام به نجل النائب.
ليس في هذا أي إنتقاص مما قام به الرجل. لكن ثمة ما يشبه إصرار البعض على الاستعراض، وهذا يشمل أبناء سياسيين وبعضاً من أهل الفن والاعلام، يظهرون فيها كل مرة بهيئة "التواضع" والقرب من الناس و"معاناتهم"، وتالياً خضوعهم الطوعي على هذا الاساس، لكل ما يخضع له باقي الناس من قوانين واجراءات.
لا ندري ما هو الغريب في أن نحترم القانون. أن يعترف أصحاب الحظوة بأنهم كغيرهم من اللبنانيين، لا تميزهم عنهم ميزة تجعلهم بمنأى عن أن يكونوا ويتصرفوا ويسري عليهم ما يسري على الجميع.
"كما تكونوا يولى عليكم". تكاد تختصر هذه الحكمة، وتصف الصورة بكاملها. فنحن كشعوب اعتدنا على تمجيد وتبجيل من يفوقونا قوة وسلطة ومكانة مهما كانت طبيعتها. هكذا نخلع عليهم الألقاب والصفات، ونعمل على تنزيههم، عنا نحن، قبل أن ننزههم عن الأخطاء.
هذا الاعتقاد من شأنه أن يعمق شعورنا بأننا اقل منهم، وان أي خطوة تجعل مُطلق اي صاحب سلطة يشاركنا ما يتصل بشكل من اشكال حياتنا اليومية اليوم، إنما هو تواضع تجاهنا.
إنه العمى. العمى عن إدراك أن الناس هم مصدر اي سلطة وحجر زاوية أي زعامة. وأن الزعيم وابنه واحفاده ومعاونيه، انما يستندون في سلطتهم علينا، ومن واجبهم أن يخضعوا طوعاً وبلا اي "تربيح جميلة" لما نخضع له قانوناً. وان امتثاله للقوانين واجب عليه لا مكرمة يمنّ بها علينا. وان الدساتير قامت منذ اكثر من 200 عام على فكرة المواطنة والعقد الاجتماعي، اي المساواة بين الجميع وخضوع الجميع، مواطنين وحكاماً، لسلطة القانون بلا تمييز.
لكن بما ان قوانيننا مفصلة لتستهدف اناساً دون آخرين، فإن "التواضع" ليس اكثر من استعراض، يؤكد للناس انهم اقل شأناً ممن يتمتعون بسلطة هم من منحها لهم. ويبدو ان هذه العدوى الاجتماعية باتت تطال الفنانين والمشاهير، كانهم من كواكب أخرى.
وفي السياق، كل مقاطع الفيديو التي نشاهدها عن رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو ينشرها عرب للمقارنة بين اصحاب السلطة في الغرب وبين امثالهم في بلادنا. رؤساء ومسؤولون غربيون يعيشون حياتهم كأي مواطن آخر، يركبون دراجات هوائية ومواكبهم لا تتخطى سياراتها عدد اصابع اليد كحال انجيلا ميركل. يُحاسَبون ويعتذرون ويستقيلون.
اما نحن، فنفرح لمجرد ان ابن نائب او وزير او ضابط، قرر ان يتواضع ويشاركنا دروبنا نحن العبيد الفقراء.