ودعت الرهبانية الأنطونية المارونية، الأب ايلي جورج النجار من مواليد زحلة 1961، بمشاركة القائم بأعمال السفارة البابوية في لبنان لمونسنيور ايفان سانتوس.
رأس صلاة المرافقة الرئيس العام الأباتي مارون أبو جوده، والقى عظة قال فيها: "كان الأب ايلي في حياته الرهبانية راهبا مطواعا ومثابرا على الصلاة الشخصية والجماعية، وحاضرا في الحياة الديرية والأخوية، كما انكب على العمل الروحي والعملي والإداري. كان مثال الراهب النشيط والمثابر، ورغم انغماسه في الإنشغالات العملية، والأمور اليدوية، وتحمله الكثير من المسؤوليات، بقي عصاميا في حياته الفكرية، وتابع دراسته الجامعية، إلى أن حصل على الدكتوراه في القانون الكنسي من جامعة اللاتران الحبرية في روما".
وتابع: "في الحياة الأخوية كان الأب ايلي قريبا من الجميع، ومحبا لهم، حاضرا لحاجاتهم، كان يغار على كل راهب ويحتضنه، ويسخر طاقاته من أجله. كان خلوقا وإيجابيا في تعامله مع الرهبان، يحفظ السر، ويسعى إلى مد يد العون، للرهبان ولأهلهم ولأصدقائهم. كان فخورا جدا بانتمائه للعائلة الأنطونية الروحية، ولم يكن يتساهل مع أحد إذا ما انتقدها أو صوب عليها سهامه. عاش انصهارا كاملا مع العائلة الأنطونية، فكانت بيته وروحه وطموحه وكل شيء له. وفي مختلف المراكز التي خدمها، تميز الأب إيلي بمحبته للرهبانية وغيرته عليها، وكان مثال العبد الأمين الذي أوكله سيده على خيراته ليعطي الطعام في حينه، من دير مار روكز، إلى دير مار شعيا، إلى دير مار الياس أنطلياس، إلى خدمته في القيمية العامة، ثم في دير مار الياس الكنيسة. كان مستقيما في تعامله مع الجميع، ويشهد له جميع الذين عملوا معه في الورش التي تابعها في حياته، وبفضل صدقه ومحبته حافظ على قربه من جميع الذين عملوا معه، فبنى وإياهم صداقة دامت طوال العمر، وإن دل ذلك على شيء، فعلى الشفافية والتقدير المتبادل الذي جمعه بالكثير من الأشخاص الذين كانوا حوله ومعه في مسيرة حياته.كما عني بغيرة واضحة بأملاك الرهبانية وترتيب شؤونها في الإدارات الرسمية ومتابعتها خير متابعة. ولا يمكننا أن نتجاهل بأنه في كل المراكز التي شغلها، لم يكن رجل مكاتب يدير أعماله من بعيد، بل كان راهبا يعمل على الأرض، فأتقن عمله على أفضل ما يرام، وصادق جميع الأشخاص الذين عاونوه".
وأردف قائلا: "لم يفت الأب إيلي أن يكون قريبا من أبناء الرعايا، أو الجماعات الروحية التي خدمها، فكان صديقا للكبير والصغير للمعوز والغني، قريبا من الناس البسطاء ومن العمال العاديين، كما كان صديقا للكثير من السياسيين والوجهاء الذين تعامل معهم بجرأة واستقامة. فطريقته المباشرة، والخالية من التكلفة جمعته بكل الناس. في تعاملك معه لم تكن تحتاج إلى الكثير من المجهود للقائه أو لطلب مساعدته، لأنه كان دوما حاضرا، بتصرف الجميع، ويمد يده لهم لمساعدتهم، ويقر الكثير من معارفه كم سخر علاقاته من أجل تسهيل أمور الكثير من أبناء البلدة في مار شعيا والمزكة، وفي بلدة العيون التي خدم رعيتها لفترة طويلة".
ولفت إلى أن الأب "كان مختارا لبلدة مار أشعيا والمزكة لمدة اثنتي عشرة سنة، ثم اختير بعدها بالتزكية رئيسا لبلديتها لغاية اليوم. وما يلفت في خدمته الإجتماعية، وفي عمله في الشأن العام، حضوره الدائم في مصابات الأصدقاء وأبناء البلدة، فكان يجمع ذات البين بين المتخاصمين، ويقرب وجهات النظر بين المتباعدين، فجسد صفة الكاهن الأساسية "المصالحة"، وهو ما نسميه "شيخ صلح". وكانت خدمته الإجتماعية مجانية، تميزها الغيرة والمحبة. وإذا كان لا بد لنا من توصيفه فيمكننا القول بأنه "الخادم الأمين" الذي قام بخدمته خير قيام".
أضاف: "نودعه اليوم، بأسى، وهو الذي طبع كل راهب بمحبته وبسمته وحضوره، نودعه وهو الذي لم يرد أن يعذب أحدا من إخوته، فعانى من المرض الذي ضربه كثيرا في الأشهر الأخيرة، فاختار الاستسلام للمحبة الإلهية والاتحاد بالله، الذي كان ينشده سحابة حياته على الأرض، ورغم هذا الاختيار الصعب، تبقى الكنيسة ونحن معها، تشجب الخطئية ولا تشجب الخاطىء، نتأسف على بعض المسارات التي لا نفهمها، ولكننا نؤمن بأن الله الذي أعطانا ابنه، حاضر أن يعطينا دوما الحياة الأبدية. لأن الارتماء في حضن الله هو الطريق الأفضل للملكوت. ونرجو أن يكون الأب ايلي الذي عاش على خبز المسيح ودمه، ووزعه على المؤمنين، أن يكون في البيت الوالدي، يحتضنه الرب، هو الذي تاق إليه كل حياته".
وختم: "نصلي، من أجلنا نحن إخوته الرهبان، ومن أجل والده وأخيه وأخواته وعائلاتهم، نصلي مع أصدقائه ومحبيه، لنكون دوما على استعداد لقبول إرادة الرب في حياتنا، رغم الصعاب والمآسي. نصلي لنكون قرب بعضنا بعضا في الأوقات العصيبة، كما كان أخونا الراحل في حياة الكثيرين، فإن المحبة والحضور تقوي فينا الإيمان، وتبث فينا الرجاء على طريق الملكوت. وليعط الرب عائلته ورهبانيتنا الصبر، لنكون شهادة للمحبة والحضور لبعضنا بعضا وأمام العالم".