قضية جديدة يمكن أن نضمها إلى لائحة طويلة من ضحايا العنف الأسري، وتحديداً الموجه ضد النساء. فقد بدأ قاضي التحقيق فيجبل لبنان تحقيقاته مع زوج المراقب في الجمارك اللبنانية رنا البعينو التي قتلت في أواخر الشهر الماضي، إثر إدعاءات بسقوطها من السيارة التي كان الزوجان يستقلانها في بحمدون.
لكن تقرير الطبيب الشرعي أفاد بأن البعينو قد تعرضت للتعنيف قبل سقوطها من السيارة.
التقرير يوحي بما لا يقبل اللبس أن عملية القتل مقصودة، وأن الشهادة المنقوصة أكدت تعرض المغدورة للتعنيف قبل أن يتم الاجهازعليها عبر "دفعها" من السيارة، كما يمكن لقارىء الخبر أن يتوقع.
في العام 2019، ما زلنا نستسهل القتل والضرب والتعنيف. كأن قروناً من الحضارة والتكنولوجيا لم تهذب النفوس وتنير العقول، بل أبقت على الأساليب والنظرة الذكورية نفسها حيال المرأة لا تعرف طريقة في التعامل مع مشكلات الأسرة، إلا من خلال الضرب وصولاً إلى القتل.
قد يقول قائل إن مئات ملايين من نساء العالم يتعرضن للعنف والاستغلال، حتى في البلدان التي نعدها متقدمة وتمنح المرأة أهمية كبرى في قوانينها ودساتيرها. غالباً ما يكون صاحب هذه المقولة متعمداً إظهار الجانب "الإيجابي" لوضعية المرأة في لبنان، خاصة عندما يجري مقارنتها مع دول عربية أخرى.
لكن لماذا علينا أن نكون "بين بين"؟ أي بين الحضور الاجتماعي للمرأة اللبنانية غير المتوفر في بلدان عربية، وفي نفس الوقت بين غياب قوانين تحميها من العنف والتعذيب وحفظ حقوقها كما في أوروبا وأميركا وكندا؟
إن قوانين تثبيت حقوق المرأة ليست معجزة، ويمكن وضعها خلال فترة قياسية، لكن كما نعرف، فإن القوانين هي مرآة تطورالمجتمع. وعليه، فإن التقاعس عن الخروج بقوانين صريحة لا تحتمل موادها التسويف والتلاعب، رهن بقبول المجتمع بالمساواة.
فالقبول الاجتماعي هو المدماك الاول لاي تغيير قانوني، بحيث تصبح النظم التشريعية والاجتماعية والثقافية السائدة مرآة للتطورالمجتمعي. وهذا يعني أن يصبح افراد المجتمع أكثر مرونة في التعاطي مع الأدوار المتعددة للمرأة، ومكانتها داخل الاسرة بوصفها زوجة وأخت وأمّ. إذ لا يكفي أن تحصل المرأة اللبنانية على وظيفة، في حين أن توفير الحماية لها اقل من المطلوب بكثير.
ففضلاً عن التحرش والضرب والقتل، ثمة أكثر من مكان تتعرض فيه المرأة اللبنانية للتمييز والظلم بمختلف معاييره، ومنها على سبيل المثال، القوانين المرتبطة التي تحصن النساء في دعاوى الطلاق. إضافة إلى إجازة الأمومة، وكذلك الامر بالنسبة للقوانين التي تفرض منح النساء أجوراً متساوية مع الرجل في المهن نفسها.
لن يستقيم مجتمع لا يزال يستقي من الموروث الاجتماعي (السيء منه تحديداً)، تعريفه وتصويره للمرأة ككائن ناقص ويجب أن تحكم بالقوة، مع ما تعنيه القوة من إفراط في استخدامها سواء عبر الضرب أو العنف اللفظي، أو إشعار المرأة بأنها لا تستطيع تدبرأمورها من دون وجود رجل.
هذا ولا يمكننا أن ننسى، أن هناك بعض النساء أعداء أنفسهن، إذ يعملن على ترسيخ "دونيتهن"، ويرفضن أي تغيير يمكن أن يحسن من وضعهن الاجتماعي والقانوني، وهؤلاء أخطر على النساء من بعض الرجال القتلة.