كان مفاجئاً بيان رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري والذي اعلن من خلاله عدم رغبته بقبول تكليفه مجددا في ظل الأزمة اللبنانية الراهنة، محمّلاً مسؤولية المماطلة الى فريق الاكثرية النيابية واصفاً التأخير بـ "حالة الانكار المزمن". فهل قلب الحريري الطاولة من جديد؟
وفق مصادر مطلّعة، فإن بيان الرئيس سعد الحريري الذي بدا طارئاً، انما اتى لإنهاء حالة المناورة التي تمارسها قوى الاكثرية النيابية، والتي كانت تلمّح مؤخرا عن نيّتها بالتوجّه نحو تسمية شخصية غير الحريري في حال إصراره على تمرير شروطه، والتي ظهر منها شرط حكومة تكنوقراط، الأمر الذي دفع بالأخير نحو اعلان قراره ليقطع الطريق على الكتل النيابية التي تضغط من اجل تنفيذ شروطها، ورمى كرة التكليف خارج ملعبه رافضاً ان يكون ذريعة للعرقلة!
وأضافت المصادر بأن بيان الحريري الذي اكد فيه على قراره الصريح والقاطع هو استكمال للاشتباك السياسي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، إذ من الواضح ان اعلانه جاء في معرض الرد على ما سرّبه بري لبعض وسائل الاعلام بأن الاسماء لم تعد مهمة بالنسبة له، وبأنه لن يمانع من تسمية اي شخصية اخرى، فما كان على الحريري الا ان يُقدم على خطوة دفاعية يقول من خلالها لبري "انا اللي ما بدي"!
من جهة اخرى، لفتت المصادر الى ان الحريري لم يغلق جميع الابواب، بل ترك "خط رجعة" مع قوى الاكثرية النيابية، حيث ختم بيانه متمنيا "التوفيق لمن سيتم اختياره"، وهذا ما فسّرته المصادر على أن الحريري قد يذهب الى اعطاء الحكومة المقبلة غطاءً سياسيا، او يشارك في تسمية بعض الوزراء الاختصاصيين فيها في حال التوصّل الى تسوية سياسية مرضية لجميع الاطراف.
مما لا شك فيه أن بيان الرئيس الحريري قد رفع عنه عبء الضغط وأرخى به على اكتاف "بعبدا" و"عين التينة"، حيث اصبح رئيس الجمهورية ميشال عون مضطراً للدعوة الى استشارات نيابية من اجل تكليف رئيس حكومة جديد، وبالتالي سوف يجد فريق الاكثرية نفسه امام عدة خيارات احلاها مرّ والتي تتمثل بثلاث نقاط:
اولا: عدم الدعوة لاستشارات نيابية وتحمل ضغط الشارع الذي سوف يتركز في المرحلة المقبلة حول قصر بعبدا.
ثانيا: تسمية رئيس لحكومة اكثرية والتي سوف تحمل على عاتقها مسؤولية الانهيار إن حصل، او عبء الضغوطات الخارجية لعدم القدرة على تأمين الغطاء الدولي.
ثالثا واخيرا: الذهاب الى تسمية شخصية قريبة من الحريري وفق شروطه السياسية.
ساعات قليلة تفصلنا عن موعد تحديد الاستشارات النيابية ولا يزال الشارع اللبناني في حالة غليان، فهل يستجيب المعنيون الى صرخات الحراك، ام تستمر محاولات تمرير الوقت لإيجاد المخارج في ظل مراوحة خطيرة قد تدفع بالبلاد نحو الانهيار الكامل؟