كتب منير الربيع في "المدن": أصبح لا بد من انتظار الانهيار الكبير. التأخر في اتخاذ القرار بشأن سندات اليوروبوند، سواء لجهة الدفع أم عدمه، وعدم الانخراط في مفاوضات جدية وواضحة مع الدائنين، سيؤدي بلبنان إلى المزيد من الأزمات، بمعزل عن فحوى القرار. الاتجاه هو لعدم الدفع، وستختار الحكومة اتخاذ قرارها يوم السبت، بما أن الأسواق تكون مغلقة، فلا يقفز سعر الدولار كثيراً، وتفتتح الأسواق الإثنين على استيعاب صعوده. لكن في ذلك وجهة نظر خاطئة. لن يدفع لبنان ديونه، وسيتم تحميل المسؤولية للمصارف. وهذه الأخيرة ستقول إن المسؤولية تقع على عاتق الدولة اللبنانية، لأنها هي التي استدانت الأموال، وأقرت التشريعات التي أوصلت إلى هذه الحال.
الخطة المبهمة
الواقع المرير سيفرض اتخاذ إجراءات قاسية، تطال الفئات الشعبية، وفق ما صرّح به رئيس الحكومة حسان دياب. وهذه الإجراءات سيكون من شأنها إطلاق إشارات "إيجابية" للمجتمع الدولي، من نوع أن لبنان بدأ يتخذ الإجراءات اللازمة، وفق الخطة الشفهية المبهمة، والتي لا تزال طي الكتمان، وجرى التباحث حولها مع صندوق النقد الدولي. حتماً، هذه الإجراءات إذا ما أقرت ستؤدي إلى انفجار شعبي في الشارع.
هذا الانفجار سيكون محتوماً في المرحلة المقبلة، بناء على معطيات أصبحت متوفرة ومؤكدة لدى كل الجهات المحلية والخارجية. والسياق المنطقي لقراءة التطورات، تفيد بأن لبنان مقبل على انهيار، لن يكون هناك أي قدرة على مواجهته أو الحد منه. فالمسألة أصبحت تتخطى كل القرارات الإجرائية، وتتجاوز تسديد استحقاقات الدين أو الدخول في مفاوضات مع الدائنين. وتجتمع نظرة أميركية خليجية مع نظرة حزب الله للواقع المرير الذي سيقبل عليه لبنان، وتخلص إلى أن العاصفة لم تبدأ بعد، إنما لا تزال في بداية هبوب رياحها.
دفع الثمن ولبنان آخر
تقول النظرة الخليجية الأميركية إن لبنان لن يعود كما كان، والانهيار فيه سيكون حتمياً، بانعكاسات على مختلف المجالات، بما فيها القوى السياسية فيه، التي لم تثبت وفاءً بأي من إلتزاماتها. الأميركيون لا يعنيهم انهيار لبنان من عدمه. الخليجيون لا يمانعون انهيار لبنان، إنما يجدونه حتمياً، ولو أدى ذلك إلى انفجارات شعبية واجتماعية، كردّ طبيعي لـ"لكيد في النحر" وفق ما يعتبرون. إذ أن كل ما جرى تقديمه للبنان لم يقدّم هو في المقابل ما يحفظ الدول العربية ويوفر الحماية لها، إنما تلقت منه الهجوم بالشتائم والحروب. وبالتالي، على لبنان واللبنانيين أن يدفعوا ثمن ذلك. ولا تمانع هذه النظرة من رؤية انهيار تام ونهائي لـ"الصيغة اللبنانية" وما تحويه من تركيبة سياسية تقوم على القوى المختلفة، التي يجب أيضاً أن تدفع الثمن للوصول إلى صيغة جديدة.
طبعاً، نظرة قيام لبنان جديد بعد الانهيار، تبدو نظرة طوباوية بالنظر إلى عمق تعقيدات الواقع اللبناني، اجتماعياً وطائفياً وسياسياً، وفي منطقة تعوم على رمال متحركة، وتعصف بها تيارات طائفية ومذهبية من الصراعات التي لا تنتهي. قد يحصل الانهيار؟ نعم. أما السؤال عن ما بعده، فلا أحد يمتلك الإجابة عليه. وقد يكون المشهد مشابهاً في الحرب الاقتصادية الحالية، إلى ما كان عليه الواقع أيام الحرب الأهلية طيلة 15 سنة، وأوصلت فيما بعد إلى اتفاق الطائف.
الانفجار وحزب الله
حزب الله بدوره يعتبر أن الصيغة اللبنانية السياسية والاقتصادية قد انتهت، هو على يقين بأن الانفجار الاجتماعي والشعبي سيحصل حتماً، خصوصاً أن ثورة 17 تشرين لم تؤد إلى أي تغيير في نمط تفكير القوى السياسية. وبالتالي، الساحة اللبنانية ستكون أمام تحركات أكبر وأضخم في المرحلة المقبلة. وقد تأخذ أشكالاً مختلفة. ولا يستبعد الحزب أن يكون الانفجار من داخل البيئة الشيعية. وهو حينها لن يكون قادراً على التأثير في مجريات هذا الانفجار ومداه، إنما قد يجلس على تلّة، ينتظر تغيّر الرياح السياسية ومعطياتها، والتي لا يمكن لأحد أن يتوقع بما ستؤول نتائجها، إلا أنه سيبقى صاحب قوة وتنظيم، قد تمكنه من توجيه بعض هذه التحركات وضبطها في مكان، أو تحويل وجهتها لتستهدف المصارف وحسب. فهل هذا كاف كي لا يدفع هو بدوره الثمن الباهظ؟