تحت عنوان: "عام على 17 تشرين.. ثورة الاستثمار السياسي!"، كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": يصح القول في ثورة 17 تشرين الأول، أن "قتل إمرء في غابة قضية لا تُغتفر.. وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر"، فزيادة ستة دولارات على تطبيق "الواتساب" أشعلت الشارع عن بكرة أبيه، وملأت الساحات والشوارع وأسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري وزلزلت الأرض تحت أقدام السلطة السياسية، بينما إدخال لبنان في المجهول سياسيا وإقتصاديا وأمنيا وإجتماعيا وصحيا وإنسانيا، وتهديد اللبنانيين بالفقر والجوع وكورونا والموت لم يدفع هذا الشارع الى تفعيل تحركاته مجددا بعد سلسلة إخفاقات وإستثمارات سياسية يبدو أنها قضت على هذه الثورة في مهدها.
في الأيام الأولى للثورة وما أظهرته من حضارية في التحركات التي جذبت اللبنانيين رجالا ونساء وشبابا وأطفالا، ظن كثيرون أن معجزة حلت على هذا البلد دفعت المواطنين الى التخلي عن أحزابهم وتياراتهم السياسية وطوائفهم فخلعوا كل تلك العباءات لمصلحة العباءة الوطنية والعلم اللبناني الذي رفرف في الساحات تحت شعار "إسقاط النظام والتوجه نحو الاصلاح ومحاربة الفساد وإستعادة الأموال المنهوبة"، في وقت كان البعض يتعاطى مع هذه الثورة بحذر إنطلاقا من قناعة بأن لا ثورات وإنقلابات ولا عصيان مدني في لبنان القائم على حكم الطوائف والأحزاب.
أيام قليلة بعد 17 تشرين وبدأت هذه الثورة بالتراجع، أمام دخول المشاغبين الذين تحولوا الى "غب الطلب" لإفساد التحركات وشيطنتها، والتباينات التي فرضت نفسها على المجموعات الثورية، وعدم النجاح في الوصول الى قواسم مشتركة تحدد التوجهات والأهداف، إضافة الى أعمال قطع الطرق وإقفال المؤسسات وإحراق الاطارات التي إنعكست سلبا على المواطنين بدل أن تؤدي وظيفتها في الضغط على السلطة.
كل ذلك، جعل الثورة ساحة مفتوحة، إن لتصفية الحسابات السياسية، بعد ركوب بعض التيارات والأحزاب لموجتها، أو لتوجيه الرسائل المحلية والاقليمية، أو للعب على الوتر الطائفي والمذهبي الذي كاد أن يؤدي الى فلتان أمني ولعل مواجهات الخندق والرينغ والفيديوهات المسيئة للرموز الدينية أكبر دليل على ذلك.
أمام هذا الواقع، إنكفأ اللبنانيون عن حراكهم، وإحتلت شارعهم المنتفض تيارات سياسية أراد كل منها الاستثمار في الثورة، وتقدم الصفوف، والتحدث باسمها، ونفض اليد من الفساد والهدر والمحاصصة.
تظاهر أنصار تيار المستقبل دفاعا عن الحريرية السياسية، وإحتجاجا على إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، ولعبوا بشكل واضح على الوتر الطائفي، من خلال الايحاء بأن السنّة وحدهم دفعوا ثمن الثورة باستقالة الحريري.
ركبت القوات اللبنانية موجة الثورة، ومارست بروباغندا سياسية وشعبية بهدف إستمالة الشارع المسيحي وإستهداف التيار الوطني الحر والاستفادة من الغضب الشعبي على رئيسه جبران باسيل.
سارع الحزب التقدمي الاشتراكي الى السعي نحو تأطير الثورة وتنظيمها لخدمة مصالحه السياسية والحزبية.
أعلن أنصار الثنائي الشيعي الاستنفار العام للتصدي للشيعة الخارجين عن الاجماع السياسي المتهمين بعمالتهم للسفارات، وللتصدي لقوى 14 آذار والدفاع عن الرموز ومواجهة كل من يتعرض لها بالاساءة.
أصيب التيار الوطني الحر بحالة من "الانفصام" فخرج أنصاره دعما لجبران باسيل وإنتصارا لعهد ميشال عون، وتظاهروا في الوقت نفسه رفضا لسياسات وزارات ومؤسسات الدولة وفي مقدمتها مصرف لبنان.
هذا الاستثمار السياسي الواضح، وتدخل بعض الأجهزة في تحريك هذه الساحة أو تلك، وتوجيه الاحتجاجات تجاه هذا السياسي أو ذاك وإستخدام القضاء لتصفية الحسابات، كشف المستور لدى كثير من اللبنانيين الذين عادوا الى منازلهم بانتظار فرصة ثانية تكون أكثر واقعية، بينما ترك الشارع لبعض الموتورين الذين إستثمروا في قطع الطرقات وإحراق الدواليب وإقفال المؤسسات، والاساءة الى المواطنين بسبب إنتماءاتهم السياسية.
اللافت أن عاما كاملا مضى من دون أن تستطيع ثورة 17 تشرين أن تواجه هذا الاستثمار أو أن تنقي صفوفها، أو أن تشكل قيادة لها، أو أن تنظم نفسها بدل من أن تتحول الى أحزاب وتيارات "ثورجية" لا تختلف في الشكل والمضمون والأهداف عن التيارات السياسية.