قبل أسبوعٍ واحدٍ، كان "العهد" ممثَّلاً بكلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، يتعاطى مع "تكليف" سعد الحريري لرئاسة الحكومة، بسلبيّةٍ شديدةٍ ومُطلَقة، تُوّجت برسالة رئيس الجمهورية ميشال عون "الناهية" عن التأليف، بالترغيب والترهيب في آنٍ واحدٍ...
وجاءت رسالة عون، بعد أخرى فاقتها في "السلبيّة" للوزير السابق جبران باسيل، الذي رفض تسمية الحريري بالمُطلَق، داعياً إياه صراحةً إلى أنّ "يزيح لاختصاصيّ"، وذهب إلى حدّ "فشّ الخلق" بالدستور، الذي وصفه بـ "النتِن والعفِن"، في خطابٍ يُتوقَّع أن تبقى ترسّباته حاضرة في الأذهان لفترةٍ طويلة.
لكنّ كلّ ذلك كان قبل الخميس الماضي، إذ بمجرّد تكليف الحريري رسمياً، بدأ "العهد" ما يمكن وصفها بـ "إعادة تموضُعٍ" إزاء الحريري، بدت تجلياتها بكلام باسيل "الإيجابيّ" بعد لقاء الحريري في مجلس النواب، بعد تسريباتٍ عن نيّته "مقاطعة" الاستشارات، وتوّجت بلقاءيْن للحريري مع عون، حرصت أوساط الأخير على تغليفها بـ "الإيجابية".
"شو عدا ما بدا"؟
إزاء هذا التحوّل "النوعيّ" في موقف "العهد" من الحريري، ثمّة من رسم علامات استفهام كُبرى، تختصرها العبارة الشعبية الشهيرة "شو عدا ما بدا"، في إطار التساؤل عن الدوافع التي حفّزت كلاً من عون وباسيل، إلى "تليين" موقفهما بهذا الشكل، بعيداً عن مواصلة "جيوشهما الافتراضية" الهجوم على الحريري ومن يمثّله.
يقول العارفون في هذا السياق، إنّ الدافع الأساسي يبقى "الواقعية السياسية"، إذ أدرك كلٌ من عون وباسيل أنّ ما قبل تسمية الحريري شيء، وما بعدها شيء آخر، فالسلبية التي أحاطا بها التسمية قبل حصولها، كان يُراد منها "إحراج الحريري فإخراجه"، تارةً عبر استخدام تكتيك تأجيل الاستشارات، وطوراً عبر استخراج أرنب "الميثاقيّة"، وصولاً إلى رسالة الرئيس غير المسبوقة في الشكل، وكلّها عوامل لم تحقّق المُبتغى المنشود من ورائها.
أما وقد كُلّف الحريري رسمياً، برضا "العهد" أو من دونه، فإنّ الظروف باتت تقتضي "مقاربة" من نوع آخر، خصوصاً أنّ المطلوب التعاطي بواقعيّة مع التكليف الذي حصل بموافقة أغلبية النواب، ووفقاً للدستور، وبالتالي إعطاء هذا التكليف فرصته، لأنّ أحداً، ولا سيما "العهد"، لا يمتلك "ترف" هدر المزيد من الوقت، بعدما بات اللبنانيون في قلب "جهنّم" الذي حذّر رئيس الجمهورية من الاتجاه نحوه قبل فترة.
لا "شيك على بياض"!
لكنّ إعادة التموْضُع هذه، لا تعني بأيّ شكلٍ من الأشكال منح "العهد" لما يمكن وصفه بـ "شيك على بياض" للحريري، في سبيل تسهيل مهمّته، علماً أنّ ما قاله رئيس الجمهورية في رسالته الأخيرة، لجهة كونه "شريكاً أساسيّاً" في التأليف لا يزال سارياً، وأنّ أيّ "رهانٍ" على ذهاب "التيار الوطني الحر" إلى المعارضة "خائبٌ" من الأساس.
وإذا كان الحريري نجح في الشكل، في "التجاوب" مع رغبة رئيس الجمهورية، عبر لقائه مرّتين في عطلة نهاية الأسبوع تحت عنوان "التشاور"، الأمر الذي قرأته أوساط بعبدا بإيجابيّة، فإنّ ذلك لا يعني أنّ الرئيس عون سيقدّم "التنازلات" في سبيل تسهيل مهمّة الحريري وتعبيد الطريق أمام ولادة حكومته، في ظلّ التباين "الشاسع" في وجهات النظر بين الجانبيْن حول الكثير من القضايا.
ويقول بعض العارفين إنّ "الإيجابية" ليست "مُطلَقة"، وأنّها لا تزال تغلّف خلفها الكثير من "الُعقَد" غير المخفيّة، أولها مبدأ المداورة التي يرفض "العهد" أن تسري على فئة ولا تسري على أخرى، في استعادةٍ لجدل "الترابط" بين "المالية والطاقة" مثلاً، وثانيها الحصّة المسيحيّة، علماً أنّ هناك في أوساط "التيار" من يصرّ على أنّ ما مُنِح لأديب، لن يُمنَح بالسهولة نفسها للحريري، وحديث باسيل عن "معايير التأليف" قد يكون أكثر من واضح في هذا السياق.
بمُعزَلٍ عن "الأحلام الورديّة" التي ينسجها كثيرون مع كلّ تكليف، وصولاً إلى الحديث عن "سرعة قياسية" كما يحصل اليوم، وحصل بعيد تكليف مصطفى أديب سابقاً، فإنّ الأمور تبقى "مرهونة بخواتيمها"، في ظلّ واقعٍ لا يحتمل أي تأجيلٍ إضافيّ، قد يسرّع الخطى نحو عمق "جهنّم"، بعدما صار اللبنانيون على أعتابه!