منذ "اعتذار" السفير مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة، نتيجة الضغوط التي تعرّض لها والشروط التي اصطدم بها، انتشرت في الأوساط السياسية "فرضية" الربط، المُعلَن أو المُضمَر، بين الحكومة اللبنانية والانتخابات الأميركية، من دون مسوّغات أو مبرّرات منطقيّة وواضحة.
"لا حكومة قبل الانتخابات الأميركية"، هي المعادلة التي لجأ إليها معظم المراقبين والمحلّلين، في سياق تفسير "الوقت الضائع" الذي تمّ "هدره" بين الاعتذار والاستشارات المؤجَّلة وتلك الحاسمة وصولاً إلى التكليف وبدء ورشة التأليف، وكلّها محطّات استغرقت الكثير من الوقت، الذي لا يملك اللبنانيون "ترفه" حالياً.
اليوم، بدأ بعض اللبنانيين يلمسون "حركة" على الخطّ الحكوميّ، لم يثبت بعد إن كانت تنطوي على "بركة"، إلا أنّها توحي بوجود "سباق" لا مع "الزمن" ككلّ، ولكن مع الانتخابات الأميركيّة تحديداً، لعلّ الحكومة تبصر النور بما يمكن اعتبارها "فلتة شوط" وفق التعبير الدارج، قبل بلورة هويّة "سيّد البيت الأبيض".
لا رابط!
صحيح أنّ الكثير من القوى السياسية تربط، على مرّ التاريخ، عقارب ساعاتها وفق الاتجاهات الإقليمية والدولية، ولا سيما ما يجري في "بلاد العمّ سام"، إلا أنّ كثيرين يعتقدون في المقابل، أنّ الربط بين تشكيل الحكومة في لبنان ونتيجة الانتخابات في أميركا ليس واقعياً، ولا منطقياً، وإن شكّل "ذريعة" لدى البعض لتأجيل الحسم.
ووفقاً لوجهة النظر هذه، فإنّ نتيجة الانتخابات الأميركية، أياً كانت، وسواء حصل الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب على الولاية الثانية التي يطمح إليها، أم ذهبت لصالح غريمه المرشح الديمقراطي جو بايدن، فإنّ لا شيء سيتغيّر على مستوى السياسة الخارجية الأميركية، وتحديداً لجهة العلاقة مع لبنان، ومختلف قواه السياسيّة، والتي تبقى من النقاط القليلة "الثابتة"، والمشتركة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوريّ.
إلا أنّ البعض الآخر "يراهن" على تغييرٍ شكليّ، ولو كان محدوداً، قد تفرزه نتيجة الانتخابات، باعتبار أنّها، وبمُعزَلٍ عن طبيعتها، ستضع حدّاً لما يمكن وصفها بـ "فورة" ما قبل الانتخابات، والتي أدّت إلى "تصعيد" الإدارة الأميركية على كلّ المستويات، من رفع سيف العقوبات، إلى فتح أبواب التطبيع، وكلّها أسلحة انتخابية أراد ترامب توظيفها لصالحه، إلا أنّ "وهجها" سيخفّ بعد زوال "أسبابها الموجبة" في الثالث من تشرين الثاني.
"تمرير" الحكومة؟!
رغم كلّ ما سبق، يشعر الكثير من المتابعين للواقع الحكوميّ خلال الساعات الماضية، بأنّ هناك "مسعى" جدياً للإسراع بولادة الحكومة هذا الأسبوع، قبل الانتخابات الأميركية، بما "يدحض" ربما الفرضية السابقة والقائلة بأن "لا حكومة قبل الانتخابات الأميركية".
لكن، ثمّة في هذا السياق، من يقرأ الأمور بصورةٍ مغايرة، معتبراً أنّ الهدف من "الحركة" الجارية اليوم، قد يكون الاستفادة من "الانشغال" الأميركيّ بالانتخابات، لـ "تمرير" الحكومة بالتي هي أحسن، بعيداً عن أيّ "فيتوات" يمكن أن تظهر أميركياً، خصوصاً أنّ واشنطن لا تبدو بوارد القبول بسهولة بمشاركة "حزب الله" في الحكومة، ولو بصورةٍ مستترة أو غير مباشرة، كما هو حاصل في حكومة حسّان دياب.
ويذهب البعض من خصوم الولايات المتحدة بشكلٍ خاص، إلى القول إنّ هذا الأسبوع قد يكون "المثاليّ" لتأليف الحكومة، من دون أيّ "تشويش" يمكن أن يحصل من الجانب الأميركيّ، مذكّرين كيف أنّ واشنطن "أجهضت" بشكلٍ أو بآخر "مهمّة" مصطفى أديب، حين ارتأت فرض العقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، في عزّ "المبادرة الفرنسيّة"، ما أدّى إلى "توتير" الأجواء السياسيّة إلى حدّ بعيد، بل "إطفاء" المحرّكات في أكثر من مكان.
قد يكون "الربط" بين تشكيل الحكومة في لبنان والانتخابات الأميركية دقيقاً، وقد لا يكون كذلك، لكنّه في كلا الحالتيْن دليلٌ آخر على إصرار القوى السياسية على "التبعية للخارج"، ليصبح استحقاقٌ بديهيّ وبسيط كولادة الحكومة، مرتبطاً بحساباتٍ كُبرى بحجم الانتخابات الأميركيّة، في مفارقةٍ مثيرةٍ للجدل...