قبل حديث الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون عن أن الإسلام في العالم يعيش أزمة كان في لبنان واستقبله المسلمون قبل المسيحيين، وتجاوبوا مع مبادرته أحسن تجاوب، واعتبروا أنها بمثابة الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان مما يتخبّط به من أزمات.
لم يفرّق المسلمون في لبنان بين المبادرة وبين إنتماء ماكرون إلى غير الديانة الإسلامية، وساروا بها في مجملها من دون أي حساسية تجاه أي نقطة واردة في هذه المبادرة بإستثناء "حزب الله" الذي وافق على تسعين في المئة من بنودها، وبالأخص عدم التسليم بما يمكن أن يصار من إتفاقات مع صندوق النقد الدولي على "العميانة" ومن دون شروط لبنانية.
في الإجمال، وأيًّا تكن المبررات، فإن ما قيل في حقّ الإسلام وتعميم تجربة محدّدة في الزمان والمكان على كل العالم الإسلامي أمر غير جائز، بإعتبار أن الخطأ يمكن أن يصدر عن أي مجموعة، سواء إنتمت إلى هذه المجموعة الدينية او تلك، وبالتالي لا يمكن أن تؤخذ المجموعات الكبيرة بجريرة فرد أو أفراد، على أن تبقى حرية التعبير في أي مكان من العالم مقدّسة، وليس في فرنسا بالتحديد فقط من دون الإضطرار إلى الإساءة إلى رموز أي ديانة من الديانات السماوية، أو أي ديانة أخرى، إذ أن لكل منها مقدساتها وحرماتها، التي لا يمكن المرور على الإساءة إليها مرور الكرام.
ويبقى السؤال في لبنان مشروعًا، وبعد كلام أكثر من مسؤول ديني ومدني الذين وضعو النقاط على الحروف، وهو إذا ما كان التجاوب، وبالأخص من قِبل القيادات الإسلامية، مع المبادرة الفرنسية سيبقى على زخمته وحماسه، مع الإشارة إلى أن تأثير مواقف الرئيس الفرنسي فعل فعله في الوسط اللبناني، على رغم التأكيد على أن المبادرة شيء والإساءة شيء آخر، مع الإعتراف بأن التأثير نسبي، وهو خاضع للتأثيرات العفوية الصادرة عن أكثر القيادات حكمة ووعيًا وتفهمًا.
وما قاله بعض المسؤولين بلهجة هادئة وعاقلة قد يقوله أي رجل مسؤول أمام هكذا موقف، إذ لا بدّ من توضيح بعض الأمور، التي ربما كان الرئيس الفرنسي غافلًا عنها، وهو التمييز في التعاطي مع قضايا حسّاسة بصيغة الجمع، مع أهمية الدور الذي تلعبه فرنسا في أكثر من منطقة، وبالأخصّ مع العالم الإسلامي، الذي تجمعه معها قيم إنسانية عبرّت عنها الثورة الفرنسية في ما يتعلق بحقوق الإنسان والأخوة والحرية الفردية والحرية الجماعية، من دون أن يعني ذلك التخلي عن القيم والتعاليم السماوية القائم عليها الدين الإسلامي الحنيف.
إنطلاقًا من هذه المسلمات لا بدّ من التوقف، ولو قليلًا عمّا صدر من مواقف على مستوى العالمين العربي والإسلامي، إذ تمّ التعاطي مع مواقف ماكرون بكثير من المسؤولية البعيدة عن التعصّب، ما يسمح لأي كان بالتعرّض لرموز الديانات السماوية بأن يحسب ألف حساب لكل كلمة يقولها في حق الإسلام أو غيره من الديانات.